ـ[طلحة الجغبير]ــــــــ[27 Jan 2010, 03:20 ص]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد تفنن علماء التفسير في تصانيفهم في بيان مقاصد القرآن ودقائقه وأحكامه وكلياته ومعانيه ومشكلاته، وصنفوا في ذلك المطولات والمختصرات، وعلقوا الحواشي والإستدراكات.
ومن ذلك إفرادهم بعض الآيات بالتصنيف لكشف معانيها، وإبراز حكمها، وإظهار أسرارها، فأحببت أن أفرد موضوعا فيما صنف في آية واحدة، لأمرين:
1 - غفلة كثير من طلبة التفسير وعلوم القرآن عن هذه المؤلفات، وقد يكون بين سطورها من التحرير ما لا يكاد يوجد في كثير من المطولات.
2 - إظهار عظمة القرآن وسعة معانيه ودقة ألفاظه.
ولن أسير في هذا الموضوع على ترتيب معين، وإنما بحسب ما تقع عليه عيني من مكتبتي، والله ولي التوفيق
الكتاب الأول: رسالة في الكلام على آية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
المؤلف: نجم الدين الغزي العامري (977 - 1061 هـ)
طبعت في المكتبة الإسلامية بالقاهرة بتحقيق نشأت بن كمال
وصف الكتاب:
الكتاب يدور حول الكلام عن آية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي الآية 104 من سورة آل عمران (ولتكن منكم أمة ..... )
وذكر في كتابه 53 مسألة حول هذه الآية العظيمة.
قال المحقق ص 9: "تعد نواة هذا الكتاب وأصله الذي قام عليه ما كتبه الزمخشري المعتزلي في كتابه الكشاف (قلت: ومن موارده في كتابه: الماوردي والنووي والغزالي وغيرهم) ...... فلقد عمد المصنف إلى كلام الزمخشري وشرحه في بعض المسائل، واستدرك عليه كثيرا، ثم زاد عليه مسائل أخرى أكمل بها الكتاب)
ثم ذكر المحقق ميزات هذا الكتاب وجعلها في ثلاث نقاط:
1 - دقته وتركيزه في مسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المهمة، وعدم شوبه بمسائل فرعيه كما في المصنفات الأخرى.
2 - حسن تقويمه وتبويبه بطريقة تسهل على القارئ الوقوف على ما يريده.
3 - استدراك المصنف على بعض من سبقه في التصنيف في هذا الباب.
لطائف وفوائد من الرسالة:
- ذكر المصنف في المسألة الأولى ما في الآية من تناسب بما قبلها، فأمر الله تعالى المؤمنين أولا بالتقوى (102) وهي جامعة لخصال الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم أمرهم بالمداومة عليها بحيث يموتون وهم مسلمون، ثم أمرهم بالإعتصام بحبل الله وهو التمسك بالقرآن، استعير له الحبل من حيث أن التمسك به سبب النجاة من الهلاك، وفي قوله (جميعا) إشارة إلى أن حبل الله متين بحيث لو تمسك الناس به كلهم لأمسكهم ولم ينقطع، ونهاهم عن التفرق لأنه قد يكون سببا لإغتيال العدو، في ضمن ذلك أمرهم بالتعاون على البر والتقوى، ثم أمرهم بذكر نعمة الله عليهم، لأن التحدث بالنعمة شكر، والشكر يقتضي المزيد، وخصوصا الشكر على الألفة والأخوة التي سببها إنعام الله عليهم، ثم بين لهم أن من تعرف ذلك فهو حري بالإهتداء، ثم أرشدهم بعد الإهتداء إلى هداية غيرهم ...
- قال (وفيه أن العبد إذا توجهت همته إلى الدعاء إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان ذلك علامة على صدق إيمانه)
- وتكلم المؤلف عن بعض الأحكام المتعلقة بالحسبة كشروطها وأحكامها وكيفية الإحتساب وآدابه ومن يقوم عليها، وما يحتاجه المحتسب، ومسائل أخرى تحت هذا الباب
- ربطه بين آية (ولتكن منكم أمة ... ) وآية (كنتم خير آمة ... ) فقال: وكلهم لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وإنما يفعل ذلك بعضهم، فوجود هذا البعض فيهم صيرهم خير أمة ولما كان الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في القرن الأول خير الآمرين وخير الناهين كان القرن خير القرون ....... فإذا تجرد القرن عن القائم بهذه الوظيفة تجرد عن الخير وتمحض الشر ولا يكون هذا إلا عند قيام الساعة.
قلت: الكلام عن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هل هو على الكفاية أم هو على العين كلام طويل، وإنما ينبغي أن يفرق حال النظر إلى هذه الآية مع غيرها من عمومات الأمر بين التصدر لهذا الأمر، وبين كونه على سبيل الدعوة الفردية، وليعلم أن للنهي عن المنكر مراتب، وبالتالي يمكن الجمع بينها على سبيل التفصيل: بين وجوب عيني في بعض المراتب، ووجوب كفائي في أخرى، فليحرر هذا في موضعه ..
- قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما أمران، إلا أنهما لم يذكرا غالبا في الكتاب والسنة وكلام العلماء إلا معا، لأنهما كالشيء الواحد .... ثم ذكر مسألة هل يصح أن يقال أيهما أفضل الأمر بالمعروف أم النهي عن المنكر ..
- وختم كتابه بمسألة لطيفة فقال: عدد حروف الآية السابقة التي الكلام عليها أم الرسالة لأنها أخص دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي قوله تعالى (ولتكن منكم أمة) سبعون حرفا، وهذا العدد موافق لعدد الاسم المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم: (أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها عند الله)
انتهى والحمد لله
¥