ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[25 Jan 2010, 09:36 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي المصطفى الأمين، وعلى آله وأزواجه وذريته وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فلما كان تفسير فتح القدير للشوكاني مقرراً في عدد من الجامعات، ومرجعاً مهماً في التفسير للباحثين والباحثات، ومنتشراً بين طلبة العلم في كثير من الجهات؛ رأيت أن أشارك في خدمة هذا التفسير بإيضاح بعض المهمات، تبيين بعض المشكلات، وتعليق على بعض العبارات، وتصحيح لبعض الأخطاء والهفوات، مع الإشادة والتذكير بما ورد فيه من تحقيقات بديعات، وتنبيهات نفيسات، وترجيحات مقنعات، وقواعد مهمات.
وطريقتي في هذا الموضوع: أن ما نقلته بدون تعليق؛ فهو لأهميته، أو لكونه قاعدة أو ضابطاً مهما يحتاج إليه طالب علم التفسير. وما علقت عليه فهو للغرض الذي يظهر من خلال التعليق.
وسوف أبدأ مستعيناً بالله تعالى بمقدمة هذا التفسير.
- مقدمة تفسير فتح القدير:
قال رحمه الله: (ما كان من التفسير ثابتاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان المصير إليه متعيناً، وتقديمه متحتماً؛ غير أن الذي صح عنه من ذلك إنما هو تفسير آيات قليلة بالنسبة إلى جميع القرآن، ولا يختلف في مثل ذلك من أئمة هذا الشأن اثنان.
وأما ما كان منها ثابتاً عن الصحابة رضي الله عنهم فإن كان من الألفاظ التي قد نقلها الشرع إلى معنى مغاير للمعنى اللغوي بوجه من الوجوه فهو مقدم على غيره، وإن كان من الألفاظ التي لم ينقلها الشرع فهو كواحد من أهل اللغة الموثوق بعربيتهم، فإذا خالف المشهور المستفيض لم تقم الحجة علينا بتفسيره الذي قاله على مقتضى لغة العرب، فبالأولى تفاسير من بعدهم من التابعين وتابعيهم وسائر الأئمة.
وأيضا كثيرا ما يقتصر الصحابي ومن بعده من السلف على وجه واحد مما يقتضيه النظم القرآني باعتبار المعنى اللغوي ومعلوم أن ذلك لا يستلزم إهمال سائر المعاني التي تفيدها اللغة العربية ولا إهمال ما يستفاد من العلوم التي تتبين بها دقائق العربية وأسرارها كعلم المعاني والبيان فإن التفسير بذلك هو تفسير باللغة لا تفسير بمحض الرأي المنهي عنه.)
وقال وهو يبين سبب الحاجة إلى ذكر التفسير بالدراية مع التفسير بالرواية: (وأيضاً لا يتيسر في كل تركيب من التراكيب القرآنية تفسير ثابت عن السلف، بل قد يخلو عن ذلك كثير من القرآن، ولا اعتبار بما لم يصح، كالتفسير المنقول بإسناد ضعيف، ولا بتفسير من ليس بثقة منهم وإن صح إسناده إليه.
وبهذا تعرف أنه لا بد من الجمع بين الأمرين وعدم الاقتصار على مسلك أحد الفريقين، وهذا هو المقصد الذي وطنت نفسي عليه، والمسلك الذي عزمت على سلوكه إن شاء الله).
تعليق: قوله رحمه الله: (ولا اعتبار بما لم يصح ... ) صحيح من حيث الاعتماد عليه، والجزم بتفسير الآية به وحده، وأما من حيث ذكره والإفادة منه في التفسير؛ فله اعتبار، وقد يفيد في إزالة إشكال وإيضاح معنى، ونحو ذلك. وقد أشار الشوكاني إلى ذلك بقوله بعد هذا الكلام بقليل: (وقد أذكر ما في إسناده ضعف إما لكون في المقام ما يقويه أو لموافقته للمعنى العربي.).
وأما قوله: (ولا بتفسير من ليس بثقة منهم وإن صح إسناده إليه) ففيه نظر؛ لأن القائل قد يكون من أئمة التفسير، وهو ليس بثقة في روايته، فقوله غير ما يرويه عن غيره، فالأول مقبول إن ثبت عنه، والثاني غير مقبول لفقده شرطاً من شروط قبول الرواية. والقاعدة في ذلك: أن قول المفسر غير روايته. والله أعلم.
قال رحمه الله: (واعلم أن تفسير السيوطي المسمى بالدر المنثور قد اشتمل على غالب ما في تفاسير السلف من التفاسير المرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وتفاسير الصحابة ومن بعدهم، وما فاته إلا القليل النادر).
قال رحمه الله: (واعلم أن الأحاديث في فضائل القرآن كثيرة جداً، ولا يتم لصاحب القرآن ما يطلبه من الأجر الموعود به في الأحاديث الصحيحة حتى يفهم معانيه؛ فإن ذلك هو الثمرة من قراءة).
تعليق: هذا الكلام يحتاج إلى تفصيل:
فإن كان يقصد لا يحصل لقارئ القرآن الأجر المترتب على القراءة إلا إذا فهم المعنى؛ فليس كذلك.
وإن كان يقصد "لا يتم له ذلك" أي لا يحصل له تمام الأجر وكماله إلا إذا جمع بين القراءة وفهم المعنى؛ فنعم. والله أعلم
ومما يبين أنه يقصد المعنى الثاني أنه ذكر في موضع آخر كلاماً حول هذه المسألة يزيل الإشكال، حيث قال: (وأما سؤاله - عافاه الله - عن الذي يقرأ القرآن ولا يعرف معناه كالعوام؛ فنقول: الأجر على تلاوة القرآن ثابت، لكنه إذا كان يتدبر معانيه ويمكنه فهمه فأجر مضاعف، وأما أصل الثواب لمجرد التلاوة فلا شك فيه، والله سبحانه لا يضيع عمل عامل، وتلاوة كتابه من أشرف الأعمال لفاهم وغير فاهم، وإذا أضاع أحد ما اشتمل عليه القرآن من الأحكام أثم من جهة الإضاعة لا من جهة التلاوة.) انتهى من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاي 4/ 1901 نقلا عن كتاب القرآن لطارق عوض الله ص 215.
¥