الألسنة السامية (العبرية السريانية) تعد من الألسنة الأعجمية، فلا يجوز الاحتجاج بها على لغة القرآن، لأسباب كثيرة، أهمها أنها ألسنة فسدت وانحلت عقدها وفارقت اللسان العربي منذ زمن بعيد (آلاف السنين). "ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا" ..

فكيف يحمل العربي في التأويل على الأعجمي؟ أو العكس؟، وكيف يكون في القرآن لفظ ليس هو من العربية المستعملة حين تنزله؟.

ثم إن اللغات سماعية نقلية في الأصل .. فلا يجوز فيها القول بلا نص مأثور.

والاستعاضة عنه بقول: "يمكن أن يكون" و"يمكن أن لا يكون" .. مثل استشهاد صاحب الكتاب المشار إليه، على أن (مكة) كانت (مقة) .. لا حجة فيه ولا هو مقنع؛ لأن الإمكان بلا دليل باب واسع متنوع الاحتمالات.

ثم هذه الطريقة في تحليل الألفاظ (لأدني شبه بين الحروف) التي دأب عليها المستشرقون تخالف فنون التصريف والإبدال في العربية، فلم نسمع أن ميم (مكة) كانت قبل باءً ولا أن كافها كانت قافاً! ..

والذي قال: إن (بكة) لغة في (مكة) فعليه الدليل [ولو كان مفسراً مشهوراً]؛ لأنها دعوى بلا برهان نقلي، ولا حجة في قول بعض المفسرين إنها لغة في مكة!، فمن قال إنها لغة؟، ولغة من هي؟ .. أليس هذا الحكم بتعدد اللغات في هذه المسألة دليلاً ضعيفاً في أحسن أحواله؟.

وهل عُهد أن يستعمل القرآن لغتين للفظ واحد في معنى واحد، كما يفعله المتشدق منا؛ أقصد من البشر؟ .. معاذ الله .. لا أراه إلا خطأً.

ولا ينقص هذا من قدر الدراسات اللغوية المقارنة كلها ولا من فوائدها الكثيرة ..

2) أصل كلمة (بكة) في اللسان العربي:

جاء في معجم المقاييس أن (بكك) أصل واحد يجمع: التزاحم والمغالبة.

وفي التهذيب والقاموس واللسان والتاج معان كلها تعد لوازم للمعني المشار إليه في معجم المقاييس .. وهذا لا يتناقض مع مستجدات الأيام ومكتشفات العلم .. فكيف تتعارض المعجمات في ذلك العرض؟.

المعجمات تورد للأصل معاني كثيرة ليست متعارضة .. ولكنها متلازمة راجعة إلى أصل معنوي واحد في الغالب .. وهذا اللفظ هنا من ذلك الغالب.

وذلك إذا أخذنا في الاعتبار طبيعة البقعة التي هي أصل المسجد الحرام، والتي بنيت عليها الكعبة التي جعلها الله قياما للناس ..

وقد روي الكثير عن تلك البقعة في التاريخ وفي السنة النبوية واكتشفت أمور أخرى في الحديث.

كانت الكعبة في الأصل خُشعة فوق الماء (منقول عن غريب الحديث) .. وهي أول جزيرة ظهرت فوق الماء .. وأن هذه البقعة هي وسط الكرة الأرضية، وأنها قلب اليابسة وبؤرتها ومركزها، وأن الانحراف المغناطيسي معدوم عند خط الطول المار عندها، وأن الكعبة موضوعة وضعاً موافقاً للاتجاهات الأربعة من انحراف، .. إلخ.

هذا ما جاء العلم الحديث ليكشف عنه (نقلته نقلاً مختصراً عن د زغلول النجار / تفسير الآيات الكونية 1/ 149 وما بعدها) ..

وقال بأن هذه الاكتشافات وقف عليها علماء مسلمون ذكرهم، وذكر أدلة شرعية وعلمية مفيدة في تصور هذه المسألة، منها الآيات التي تذكر (أمّ القرى)!.

ونقل عن علماء من الشرق والغرب مسلمين وغير مسلمين ما فهمتُ منه أن الازدحام حول الكعبة هو أعظم ازدحام بشري على بقعة من الأرض تعرف في الدنيا ..

فكيف إذا عرفت أن الملائكة هناك أيضاً مع ملائكة البيت المعمور المسامت للكعبة .. والذي جاء فيه أن في كل سماء بيتا يحاذي الكعبة وكل منها معمور بالملائكة.

وقد أقول أيضاً بناء على ذلك:

الباء في (بكة) لأنها شديدة مجهورة أقوى وأصلب من الميم في (مكة)، وهذا والله أعلم لأن (بكة) هي مركز (مكة) وبؤرتها ومن طبيعة كتلة المركز أن تكون أقوى وأصلب مما سواها؛ حتى تجتذب إليها ما حولها، .....

وهذا يجعلنا نفكر في أن مخالفة الحرفين في الكلمتين هو تخالف معنوي وليس لفظيا فقط .. وليس لأنهما لغتان.

وجاء في سيرة ابن هشام أن قريشاً حين هدمت البيت وجدت في أصله (مكان البيت) حجارة لم تكن رأت مثلها من قبل ولا كان لهم قبل بإزالتها كأنياب الفيلة أو شيئاً نحوها.

وكان العرب يراعونها في (جغرافية) الجزيرة؛ فاليمن سميت كذلك لأنها عن يمين الكعبة، والشام لأنها يسارها (اليد اليسرى: الشؤمى) .. وهذا يعضد ما نقله د النجار.

ومن هذا سميت ريح الصَّبا التي تهب من المشرق: القبول؛ لأنها تقابل باب الكعبة، وهي ريح نصر، وضدها الدبور التي أهلكت عاداً.

والكعبة هي القبلة إليها تتجه الوجوه والقلوب في كل وقت، أليس هذا من الازدحام أيضاً.

والغائب عنا من حكمة الله أكثر مما أدركنا.

ـ[طالبة علم التفسير]ــــــــ[26 Jan 2010, 01:31 م]ـ

أخي عصام جزاك الله خيرا

لعل العبرانية كانت لغة أهل بابل وهي من جذور العربية ونزل فيها الوحي أول ما نزل على نبي بالعبرانية كانت على هاروت وماروت عليهما السلام ولعله نزل بها الوحي على غيرهما من الأنبياء مثل داود وسليمان عليهما السلام والله أعلم

لكن قد تكون دخلها لحن أو ألصق فيها عجمة ثم نسبت لليهود واحتكرت لهم. والصواب أنها من جذور عربية وباشتقاقات مستقرة في العربية والله أعلم

بينما ثم مسألة جديدة أضفت محورها أنت؛ وهي متى تبدل العرب النطق في الحروف للكلمة؟

فلعل الجواب: إن ثبت أن لفظ (بكة) رسم بالباء وقرئ في لسان من الأحرف السبعة بالميم فهو مما تقلبه العرب؛ مثل كلمة (الرجز) تقرأ في بعض الألسن (الرجس) بالسين. والله أعلم

ومما هو دارج في الألسن الآن؛ لسان الشام يقول بالعامية: كادر، يريد قادرا.

والحقيقة أن اللفظ يصح بالكاف وهو أبلغ في معهود الشام؛ لأن الشاميين يعتدون بالخبرة في ترشيحهم أنفسهم، فصارت القدرة للمؤهل الشخصي، والكاف أضافت الكادر في الخبرة العلمية.

ولم أصل حتى الآن للفظ الذي أدخل الكاف؛ غير أني قارنت اللفظين فظهر لي ما كتبته.

ويشبهه في لسان القصيم في نجد تسهيل الهمزة هاء، يقولون: هيت .. بمعنى إيت. ولعله مما درج في لسان أعراب مصر، لقول المرأة: (هيت) تعني: أتيت.

والله أعلم

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015