لا زلت وجلاً منذ أن عدت من مصر، كل يوم أتوقع أن يحمل إلي البريد شيئاً ولن يكون هذا الشيء سوى ورقة القبول من دار العلوم، ولكن طال العهد بعودتي وجاءت الحرب ومرت وخلفت ما خلفت، وأنا كل يوم أراقب ساعي البريد وأساله لعله يحمل الرسالة، وشعرت أنه مَلَّ من لقائي، فاكتفيت بالسلام عليه، ومرت الأيام، وقطعت السلام، كنت أنظر إليه من بعيد من حيث يراني وأسير، قبل العيد أرسلت رسالة إلى الدكتور أمين ولم يصلني الجواب، كان الاتفاق لا يتطلب كتابة أية رسالة، كان قد وعدني أن يرسل إلي بالقبول في أسرع وقت، ولا أدري فلعل الحرب قلبت الأمور أو لعلها كانت سبباً في تأخير وصول القبول، وربما لم أُقْبَلْ، على كل حال لم يصلني الجواب، هل حصل شيء للدكتور أمين لا سمح الله، لا أدري، الصمت يخيم على الموقف، وأنا في داخلي أزداد هموماً، إذ إني إذا لم أحصل على القبول من القاهرة سأظل حبيس الدار، لا أطيق مواجهة الناس، لن أجد عملاً، فأنا لم أُقَدِّمْ أوراقي إلى الدبلوم العالي في كلية التربية الذي فُصِلْتُ منه السنة الماضية بسبب عدم التحاقي، الذي قُبِلَ فيه هذه السنة عدد من الدورات اللاحقة لدورتنا وبعض زملائنا في الدراسة، وأنا لم أقدم هذه السنة، والتعيين يبدو أبعد من كل بعيد، ولا أدري ما سأفعله لا سيما أن المستقبل لا يبشر بخير، ولو أني لا أدري ما قد قَدَّرَ الله لي، ولكن الشواهد تدل على الخوافي، المهم قلت أرسل برقية إلى السيد ناطق صالح مطلوب الذي يدرس هناك في القاهرة والذي التقيت به عندما كنت هناك، اليوم نزلت إلى بغداد مع الأخ سفر الذي يحضر مؤتمر مديري مشاريع الشركة العامة للمقاولات الإنشائية، وأنا ذهبت لأقف على آخر ما وصلت إليه الأمور في مجلس الخدمة وفي مديرية الملحقيات الثقافية، ومن بغداد أرسلت برقية للأخ ناطق طلبت فيها منه أن يرسل لي أي خبر، ومرة أخرى أقف أترقب ساعي البريد ليحمل إلي أي شيء جديد، وأنا عائد إلى بيجي إن شاء الله قريباً، لأبدأ الرحلة القديمة من جديد.
البحث عن أي شيء مفيد
الأربعاء 7 تشرين الثاني 1973م = 12 شوال 1393هـ
قضيت اليوم في بغداد أيضاً، كنت قد ذهبت إلى مديرية الملحقيات الثقافية والبعثات في وزارة التعليم العالي لعل أسماء المقبولين في الجامعات المصرية قد وصلت إليها، ولكن لم أجد من ذلك شيئاً، قلت أذهب إلى الملحقية الثقافية المصرية في بغداد لعلها أدرى بالأمر، ولكنهم قالوا إنه ليس هناك بريد ولا خطاب ولا (جواب)، وعللوني بالمستقبل القريب، كل يوم يمر وأنا تزداد في قلبي الهموم والاهتمامات البسيطة تكون عظيمة، وأنا أفكر في وجودي في البيت أذهب وأجيء من غير فائدة أو من غير عمل، أنا أشعر بهذا وأتحسر على بطالتي هذه الظاهرية، ظاهرية لأني الآن أدرس في أكثر الوقت، ولكن لأي شيء هذه الدراسة؟! راح زمان الفن للفن على ما يبدو .. ولكن الذي يُصَبِّرُنِي هو أن الأهل يشاركوني مشاعري ولا يحسون تجاهي بأي تضايق، بل إن الأخ سفر - حفظه الله – يقترح عليَّ أن أسافر إلى القاهرة مرة أخرى لكي أجتلي أمر القبول، وأنا أتشبث بالانتظار فلعل القبول يصل وتأخذ الأمور مجراها الطبيعي، ومن هناك ذهبت إلى مجلس الخدمة لأقف على الوعود أو على نتيجة تلك الوعود الكثيرة والأماني التي يمنوننا بها منذ زمان، قبل العيد بأيام ذهبت إلى بغداد عندما قالوا إن إعلاناً على وشك الصدور في مجلس الخدمة لدعوة الخريجين لتعيينهم مدرسين في مختلف الفروع، وعندما راجعناهم قالوا إن الإعلان سيصدر بعد العيد، وجاء العيد ومر العيد، وذهبت إلى مجلس الخدمة، وسمعت الشائعات الكثيرة التي تطلق من تحت أحجار الجدران وقالوا الأسبوع القادم، وهذا هو الأسبوع القادم يوشك على الانتهاء، وقد فهمت أن شيئاً سيصدر الأسبوع القادم أيضاً، ولكن الأمل الذي كنا نتشبث به قد أوشك على الأفول عندما ذُكِرَ أن الدرجات الخاصة باللغة العربية هي (45) وهنالك أكثر من خمسين من خريجي كليتي تربية بغداد والبصرة، أي أكثر من المطلوب، وهم مُفَضَّلُونَ على خريجي كليات الآداب، فعلى هذا لن يصلنا الدور هذا العام، ولعله في أي عام.
مطالبة بتسديد ديون
الأحد 11 تشرين الثاني 1973م = 16 شوال 1393هـ
¥