وأُسْقِطَ في أيدينا عندما فرضت الدول الكبرى وقف إطلاق النار، وجيش إسرائيل غربي القناة .. وبدأت تتردد أصداء تستنكر ذلك، العراق يرفض وقف إطلاق النار، وأوجز رأيه بالقول: (إذا كنا قد سمعنا أخبار المعارك من الراديو فلا ينبغي أن نسمع أخبار وقف إطلاق النار من الراديو وجيشنا يقاتل في الجولان)، وخَلَّفَت تلك الأيام العشرون حسرة في قلوبنا، وزرعت غُصْناَ أخضر لعله يقوى أو يصفر ويذبل، المهم أنني الآن بعد أن أفطرنا، وانقطعت أخبار الحرب إلا من ذكر نتائجها وما يجري من محادثات لحل الأزمة من أساسها، فإني أجد نفسي قد استيقظت من حُلْمٍ أو سِنَةٍ، وعُدْتُ إلى الكتب من جديد وبهمة عالية، ولكن ما الغاية من هذا الاندفاع في هذا السبيل؟ لا شك أن العلم لذاته محبوب، ولكني كنت آمل أن أسافر للدراسة إلى مصر، وأنا أعد العدة لذلك، ولكن بدت احتمالات سفري بعيدة إلى الآن، إذ لم تصلني ورقة القبول بعد، والله أعلم كيف ستسير الأمور يعد أن وقعت الحرب.

مراجعة مجلس الخدمة

الأربعاء 31 تشرين الأول 1973م = 5 شوال 1393هـ

مضيت اليوم في الصباح أحمل نفسي على السفر حَمْلاً مُؤَمِّلاً وضع حد لمتاعب طالت على مر الزمن، قبل حلول عيد الفطر ذهبت إلى بغداد يوم الاثنين 22/ 10 لمراجعة مجلس الخدمة للوقوف على صحة ما نُشِرَ ويردده المهرجون، قالوا حينذاك إن الإعلان الخاص بتعيين المدرسين سيعلق بعد العيد مباشرة، واقتنعنا لأنا حملنا كلامهم محمل الجد والصدق، وجاء العيد ... وانقضت أيامه وآخر بعدها، قلت إن شاء الله سيكون هناك شيء جديد، بل حَدَّثْتُ نفسي أني ربما تأخرت عن الوقت المناسب للتقديم، كان هناك بعض الزملاء ينتظرون أن أجلب لهم الخبر، وصلت بغداد بعد الساعة العاشرة، وذهبت إلى مجلس الخدمة العامة الذي تربع على عرشه منذ فترة وجيزة الأستاذ خير الله الطلفاح الذي تُشَدُّ إليه الرحال، وتُضْرَبُ به الأمثال، تصفحت الجدار الذي تلصق به الإعلانات هي نفسها التي وجدناها منذ أيام تصفحت الوجوه لعلني أجد من يحمل إلي الخبر اليقين الذي هو ليس بسر، وأخيراً ذهبت إلى موظف يقبع في قعر غرفة تتجاوز إليه ثلاثة أبواب حتى تصله يقال إنه مسئول عن تعيين المدرسين في المجلس، وإذا به يحدثني بحديث جديد، أرسلنا استفساراً إلى وزارة التربية وننتظر الجواب حتى نعلن، انتظرْ .. راجعنا الأسبوع القادم قَضِّ عشرة أيام وتعال، ولا يملك الإنسان بعد كل هذا الهراء أن يعقب بشيء سوى أن يلملم أذيال خيبته، ليس الذنب ذنب هؤلاء الموظفين البسطاء، كانت تراودني فكرة سحب الأوراق التي قدمتها منذ فترة إلى المجلس لأحتفظ بها لوقت الحاجة، وقد وجدت ذلك الرجل العريض الجبهة ذا النظارات الكبيرة والوجه المتجهم، هو نفسه الذي لاقانا في نفس المكان قبل أكثر من سنتين، ولكن يبدو أن وضعه قد تحسن حين جعلوا منه موظفاً آخر يقوم بتحريك الأوراق، وبعد أخذ ورد وجدل ومحاولة (أبي علي) أن يتعامل مع المراجعين في موضع التكرم، قدمت عريضة لأنتظر ساعة حتى آخذ الأوراق، إضاعة وقت بالمجان، المهم تم الأمر وأخذت الأوراق، ذهبت إلى سفارة مصر العربية لأقف على نتيجة القبول، ولكن السفارة قد انتهى فيها الدوام وأقفلت أبوابها، سرت متضايقاً من بغداد ومن تلك الآمال التي أعلقها على أبواب بغداد، ذهبت إلى سوق الكتب (السراي وشارع المتنبي) واشتريت بعض الكتب: مع الأنبياء في القرآن، كتاب الشافعي، كتاب اللغة بين المعيارية والوصفية، وعرجت من هناك إلى موقف السيارات لأعود إلى بيجي أتلقى السؤال المألوف: إيش سويت؟ الحمد لله، لا شيء!

انتظار ساعي البريد

الثلاثاء 6 تشرين الثاني 1973م = 11 رمضان 1393هـ

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015