1 - تعليق على اتجاه ربط تفاصيل العلوم بالقرآن:-

ذهب أصحاب الاتجاه المضاد لهذا الاتجاه أن المقصود بـ"الكتاب" في قوله تعالى: (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ) ليس القرآن وإنما اللوح المحفوظ، لكن هذا الرد فيه نظر؛ إذ إن الأظهر والأرجح أن المقصود بالكتاب هو القرآن. وذهب بعض العلماء أيضاً إلى أن المراد به القرآن إلا أنهم دققوا في هذا المعنى فقالوا وإنه عام أريد الخصوص وهو كقوله تعالى (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) وهي لم تدمر الجبال ولا السماء والارض، وفي الآية الأولى أراد: أنه لم يفرط فيه من شيء من أمور الدين أو الأحكام التكليفية أو مما يحتاجه الناس في أمر دينهم، لكن ذلك ليس مسوغا لإخراج تفاصيل بعض العلوم الدنيوية؛ إذ إن الدين الإسلامي متعلق بالدنيا وواقع الناس أشد التعلق، ولا يمكن أن ينفصل عنها بحال، يقول الإمام الغزالي (مقاصد الخلق مجموعة في الدين والدنيا، ولا نظام للدين إلا بنظام الدنيا؛ فإن الدنيا مزرعة الآخرة، وهي الآلة الموصلة إلى الله عز وجل .. وليس ينتظم أمر الدنيا إلا بأعمال الآدميين وحرفهم وصناعاتهم) وهذه الأعمال والصناعات تتعلق بالعلوم تعلقاً كبيراً، ولما كانت أحكام القرآن وإرشادته لا تكون ولا تطبق إلا على واقع؛ سواء كان واقعاً كونياًُ أو إنسانياً أو اجتماعياً - فقد ارتبط القرآن بالضرورة بالعلوم المتعلقة بالواقع وإن لم يكن بتفاصيلها في كل الأحوال كما سيأتي.

والقول الراجح في هذه المسألة أن القرآن قد ذكر كل شئ سواء على الجملة أو التفصيل أو على مستوى المقصد؛ يقول عبد الله بن مسعود: (قد بُيِّن لنا في هذا القرآن كلّ علم وكلّ شيء) ويقول الإمام القرطبي: (إن دلالة القرآن على كل العلوم دلالة مبيّنة مشروحة أو مجملة) ويقول أيضاً: (صدق خبر الله بأنه ما فرّط في الكتاب من شيء إلا ذكره إما تفصيلاً وإما تأصيلاً) ويقول ابن كثير: (إن القرآن مشتمل على كل علم نافع من خبر ما سبق وعلم ما سيأتي وكل حلال وحرام؛ وما الناس إلا محتاجون إليه في أمر دنياهم ودينهم ومعاشهم ومعادهم) ولكن ذلك ليس مسوغاً للبحث عن كل التفاصيل والجزئيات لكل العلوم داخل القرآن؛ وإنما يرتكز ذلك على كيفية تعبير القرآن عن المسألة المطلوبة فإن ذكر الجزئيات بحثنا في الجزئيات وإن ذكر الكليات بحثنا في الكليات وإن ذكر المقاصد بحثنا في المقاصد.

أما استدلال هذا الاتجاه بقول ابن عباس (لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في القرآن) ففيه نظر للآتي:-

- رغم شيوع هذه المقولة إلا أن الباحث لم يجد لها أصلاً في كتب الحديث ولا رويت بسند سليم أو غير سليم، وإن كان قد ذكرها السيوطي وابن عجيبة، وذكرها من المتأخرين الألوسي والشنقيطي.

- كل الذي أوردوا هذه المقولة إنما أخذوها من تفسير ابن أبي الفضل المرسي، وهو قد ذكر ذلك ضمن كلام كثير عن القرآن في تفسيره، والمرسي من علماء القرن السابع 655هـ.

- لم يرد عن السلف أنهم بحثوا في القرآن بتلك الطريقة التفصيلية عن كل شئ، وإنما ربطوا أحياناً جزئياتهم بكليات القرآن.

وأخيرا يبدو من الواضح جدا من خلال معالجات أصحاب هذا الاتجاه - وهو اتجاه استمداد تفاصيل وجزئيات العلوم كلها من القرآن - أنه اتجاه متعسف متكلف خطير حاول حمل القرآن على ما عنده بالتأويل البعيد، والقرآن متبوع وليس بتابع، وقد حذّر رسول الله ( r) من مثل هذا الاتجاه فقال: (اتبعوا هذا القرآن ولا يتبعنكم القرآن فإنه من يتبع القرآن يهبط به في رياض الجنة ومن اتبعه القرآن يزخ في قفاه فيقذفه في جهنم)

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[13 Jan 2010, 08:21 م]ـ

تعليق على اتجاه الإمام الشاطبي:

يبدو واضحاً أن اتجاه الإمام الشاطبي كان رد فعل قوياً على الاتجاه السابق الذي بالغ أصحابه في ربط تفاصيل علومهم الفلسفية بالقرآن، وقد رد الشاطبي عليهم، وذهب إلى أن هذه الشريعة المباركة شريعة أمية، وقد تعجب كثير من العلماء والباحثين من وصف الشاطبي للشريعة بأنها "أمية"، ورد عليه الإمام ابن عاشور بالآتي:-

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015