ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[13 Jan 2010, 08:11 م]ـ

تصنيف العلوم:-

تصنيف العلوم ليس أمراً عشوائياً وإنما ينبني هذا التصنيف استناداً على القاعدة الفكرية التي ينطلق منها واعتماداً على الرؤية الفلسفية التي يدور داخلها؛ فتصنيف المسلمين للعلوم ينبني على تصوراتهم للوجود وارتكازاً على مفهوم العلم عندهم.

أما الغربيون فإن تصنيفهم ينطلق من رؤاهم المادية وفلسفاتهم التي نشأ منها هذا المفهوم، والفكر الغربي لا يتصور نشوء العلوم وانبثاق الأفكار العظيمة من خلال النسق الديني، إلا إن الأمر لدى المسلمين بخلاف ذلك؛ فقد تواصلت الاكتشافات العلمية وظهرت الأفكار العظيمة وقامت العلوم المتنوعة عندهم من داخل النسق الإسلامي؛ إذ أن الإسلام قد حضّ على طلب العلم والتفكر في أرجاء الكون لمعرفة أسراره وإدراك الحقيقة من خلاله، فلم يتقدم المسلمون في نوع من العلوم على حساب نوع آخر؛ إذ ظهرت العلوم الكونية عندهم بجانب العلوم الدينية، وعندما انطفأ الاجتهاد عندهم انطفأ في كلا النوعين من العلوم معاً.

وقد انبني تصنيف المسلمين للعلم على تصورهم للكون ومعطياته لتحقيق الاستخلاف في الأرض، ولأجل ذلك زاوجوا بين علوم الحياة وعلوم الآخرة ولم يفرقوا بينهما بل رأوا أن البحث في علوم الحياة فرض كفاية يجب أن تقوم به الأمة.

وقد ذهب ابن خلدون إلى أن العلوم صنفان صنف طبيعي للإنسان يهتدي إليه بفكره وصنف نقلي، وقسم الغزالي العلوم إلى شرعية وغير شرعية، فالشرعية هي التي استفيدت من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، أما غير الشرعية فمنها ما هو محمود ومنها ما هو مذموم ومنها ما هو مباح فالمحمود ما يرتبط بمصالح الدنيا كالطب والحساب والمذموم كالسحر والطلسمات والشعوذة والمباح كالعلم بالشعر وتواريخ الأخبار.

ويبدو واضحاً أن تقسيم المسلمين يعتمد على الوحي والكون معاً والوحي خاص بالمسلمين والكون مشترك بينهم وبين الناس؛ ولذلك قسم ابن حزم العلوم إلى علوم خاصة بالأمة وعلوم مشتركة.

أما الفكر الغربي فيعتمد على الكون فحسب، وقد ذهب أرسطو قديماً إلى أن العلم قسمان: عملي ونظري، وقد انبنى التصنيف الغربي للعلوم على تصورهم الذي يجنح إلى المادة والتجريب فلم يعتدوا بعلم من العلوم إلا إذا كان قابلاً للمنهج التجريبي؛ ولذلك كان الأصل عندهم هو العلوم الطبيعية وليس غيرها، ولما حاول علماء العلوم الإنسانية والاجتماعية تطبيق المنهج التجريبي وتوظيف الأدوات الكمية والإحصائية ألحقت هذه العلوم بتلك العلوم الطبيعية، أما الحقائق الدينية عندهم فهي أمور لا معنى لها.ولهذا انقسمت العلوم عند الغربيين إلى علوم طبيعية وعلوم اجتماعية وعلوم إنسانية، فالعلوم الطبيعية هي التي تدرس المادة بشكل مباشر يدخل فيها الطب والأحياء وعلوم الأرض وطبقات الجو والفلك ونحوها أما العلوم الاجتماعية فهي مجموعة من التخصصات العلمية التي تدرس النواحي الإنسانية وتفترق من العلوم الإنسانية في تأكيدها على تطبيق المنهج العلمي وقواعده ومعاييره الصارمة، ويدخل في هذا النوع علم الاقتصاد والسياسة والآثار وعلم الاجتماع وعلم السكان والجغرافيا ونحوها أما العلوم الإنسانية منها مجموعة من التخصصات تتناول النشاط البشري ويدخل في هذا النوع الفلسفة والآداب والموسيقي والفن ونحوها ويطلق في كثير من الأحيان على هذين النوعين اسماً واحداً وهو العلوم الإنسانية لعدم الفصل الدقيق بينهما؛ ولهذا يقسمون العلوم أحياناً إلى قسمين فحسب: علوم طبيعية من جهة وعلوم إنسانية واجتماعية من جهة أخرى. ومعلوم أن الفصل بين العلوم جميعها إنما هو أمر افتراضي غير دقيق، إذ أن التخصص الواحد لا يسلم من التدخل في مجال آخر، وليس ذلك فحسب بل إن قسمي العلوم الطبيعي والإنساني يعترض عليه في بعض الأحيان، إذ ليس من المقبول مثلاً نزع صفة الإنسانية عن العلوم التجريبية؛ فعلم الطب مثلا - وهو علم تجريبي - شديد التعلق بالإنسان ولا يمكن نزع صفة الإنسانية عنه.

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[13 Jan 2010, 08:15 م]ـ

النزاع في كيفية العلاقة بين القرآن والعلوم عند المسلمين:-

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015