ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[13 Jan 2010, 08:09 م]ـ

العلم مجرد أداة في الفكر الغربي:-

يذهب أنصار المذهب البراغماتي إلى أن العلم مجرد أداة للاستنباط والتنبؤ؛ وليس خبراً أو وصفاً للواقع، وقد ذهب كثير من فلاسفة العلم الغربيين إلى أن وظيفة العلم ليس وصف الواقع والأحداث أو مظاهر الطبيعة الغامضة؛ وإنما للعلم وظيفة دينامية وهي الاكتشاف ثم استخدام هذا الاكتشاف وتسخيره من أجل الرفاهية والسيطرة على الطبيعة.

وقد تبنت العلمية الغربية المعاصرة مواقف معادية لنظرية (التطابق مع الواقع) كمعيار للصدق؛ إذ أن هذا التطابق ليس صفة جوهرية للعلم؛ بل يقوم معيار الصدق على الاتساق الداخلي والخلو من التناقض ثم الخصوبة؛ بمعني: أن تكون المقولة العلمية خصبة بحيث تتولد عنها النظريات داخل ذلك النسق المعرفي، فليست وظيفة العلم إزالة القلق وإرضاء تطلع الإنسان لمعرفة الحقيقة ولا معرفة أسرار الكون وخفاياه؛ فهذه مهمة تقليدية قد تجاوزها العلم المعاصر وصار همه هو معرفة خواص الأشياء لاستثمارها في تحقيق الرفاهية والسيطرة، وقد أحسّ فلاسفة العلم الغربي أن الاستقراء ـ وهو تصفح جميع الجزئيات وتعميم التجربة على كل ما هو من جنس ما وقعت عليه التجارب في جميع الأزمنة والظروف – وسيلة غير مهيأة للإنسان؛ فارتضوا بدلاً عنها القياس؛ وهي الوسيلة التي يصل بها الإنسان إلى نتيجة ثم يعمم هذه النتيجة التي يصل إليها، والحق أن هذا القياس ـ وباعتراف فلاسفة العلم أنفسهم- إنما هو وسيلة تؤدي إلى نتيجة ظنية غير قاطعة. ولما كان الأمر على الوجه الذي سبق فإن محصلة العلم ليست بالضرورة أن تكون حقائق دقيقة تصف الواقع الحسي.

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[13 Jan 2010, 08:10 م]ـ

العلم لا يحسم الأسئلة الكلية في الفكر الغربي:-

إن غايات العلم وأهدافه لم تعد هي تلك الأهداف التقليدية؛ ولذلك ضرب هذا العلم عن الحقيقة صفحاً ومال إلى تحقيق المنفعة والرفاهية للإنسان؛ ولذلك ابتعد عن الإجابة على الأسئلة الكلية التي تقود إلى الإيمان؛ وإن كانت طبيعة العلم – أياً كان – أن ترمي بهذا الإنسان إلى تلك الأسئلة.

وقد طرح القرآن هذه الأسئلة بصورة مباشرة؛ فأمر الناس أن يسيروا في الأرض لينظروا كيفية بداية الخلق؛ إذ أن ذلك يفتح القلب على المشاهد الجديدة ويقوده إلى الله، فالإطلاع على سر الحياة يفضي إلى ما وراء الحقائق المادية، وقد أنشأ القرآن تصوراً عاماً للوجود يربطه بخالقه؛ ليقيم الإنسان ـ على أساس هذا التصور ـ علومه بالبحث العلمي والتجريبي حسب القدرة الإنسانية؛ ولهذا ركز الدين على الأطر العامة أكثر من تركيزه على جزئيات العلوم التي يمكن للإنسان أن ينالها بإعمال العقل والتجربة.

إلا أن المنهج العلمي المعاصر قد قطع الصلة بين الكون وخالقه، رغم أن هذا الكون طريق موصل له وكتاب للحق مفتوح يُقرأ بكل اللغات والوسائل، ولا شك أن هذا الأصل ليربط الحقائق المفردة ببعضها ليردها إلى الحقائق الكلية الكبرى؛ وبذلك يكون العلم مؤثراً في الناس لا مجرد معلومات جافة جامدة لا تكشف سر الكون الكبير، والعلم البشري تجربة محدودة قاصرة، وقد حاول هذا العلم الإجابة على بعض الأسئلة الكلية فأخفق، ثم صحح إخفاقه، ولكنه كان قاصراً في إخفاقه وتصحيحه وفي خطئه وصوابه وفي باطله وحقه، ومن ذلك على سبيل المثال أنه قد ساد حتى منتصف القرن العشرين أن الكون أزلي أبدي لا بداية له ولا نهاية، ثم عاد العلم وأثبت محدودية أجل الكون، إلا أن هذه الأمور الكلية لا يمكن لهذا العلم أن يحسمها؛ إذ أن العلم يبحث في ما يشاهده من الكون، إلا أن ما يشاهده يبدو كرقعة صغيرة من موجة تنخفض ثم ترتفع دون يحس بها المحيط الكبير في مراميه البعيدة.

ولا يعترف العلم المعاصر إلا بما تدركه الحواس، أما أمور الغيب ونحوها مما تحفل به الأديان فهي بلا معنى في نظره، وقديماً ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى مناقشة الفلاسفة الطبيعيين في هذا الأمر؛ فذكر أن كلامهم في الأمور الحسية جيد في الغالب، أما الغيبيات والكليات والإلهيات فكلامهم فيها قاصر جداً وفيه تخليط كثير؛ إذ إنهم لا يعرفون إلا الحسيات وبعض لوازمها وما لا يشهده الإنسان من الموجودات أعظم قدراً مما يشاهده؛ ولهذا كان هولاء كما يقول: (إذا سمعوا إخبار الأنبياء بالملائكة والعرش والكرسي ـ وهم يظنون أن لا موجود إلا ما علموه ـ نفوه؛ وليس لهم بهذا النفي علم؛ فإن عدم العلم ليس علماً بالعدم، ولكن نفيهم هذا كنفي الطبيب للجن؛ لأنه ليس في صناعة الطب ما يدل على ثبوت الجن؛ وإلا فليس في علم الطب ما ينفي وجود الجن، وبنو آدم ضلالهم فيما نفوه وجحدوه بغير علم أكثر من ضلالهم فيما أثبتوه وصدقوا به قال تعالى: "بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ"؛ وهذا لأن الغالب على الآدميين صحة الحس والعقل؛ فإذا أثبتوا شيئاً وصدقوا به كان حقاً عندهم)

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015