قال قتادة: أجمع أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أن كل معصية فهي بجهالة، عمدا كانت أو جهلا، وقاله ابن عباس وقتادة والضحاك ومجاهد والسدي.
السؤال: ما سر ذكر" بجهالة" إن كان الأمر كذلك؟
جزاكم الله خيراً يا دكتور خضر على فتحكم باب النقاش و المدارسة في هذا القول الكريم من القرآن العظيم
و ما تفضلتم بنقله مما ذكره الإمام القرطبي عن قتادة رضي الله عنه، فقد أسنده الإمام ابن المنذر في " تفسيره " - في القطعة الموجودة من مخطوطه، و التي طُبعتْ قريبا - قال:
1480 - حدثنا موسى، قال: حدثنا حميد، قال: حدثنا سفيان، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي العالية الرياحي [1]، قال: " اجتمع رأي رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن كل ذنب أصابه ابن آدم فهي جهالة ".
[تفسير ابن المنذر - (2/ 605)]
و قال - ابن المنذر - عقبه في تفسيره:
1481 - حدثنا أبو أحمد، قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد، في قوله عز وجل " {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة} قال: من عمل ذنبا من شيخ أو شاب، فهو بجهالة "
-------------------------------
[1] هو: أَبُو العَالِيَةِ رُفَيْعُ بنُ مِهْرَانَ الرِّيَاحِيُّ البَصْرِيُّ (ع)
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، الحَافِظُ، المُفَسِّرُ، أَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ، البَصْرِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ.
كَانَ مَوْلَىً لامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي رِيَاحِ بنِ يَرْبُوْعٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي تَمِيْمٍ.
أَدْرَك زَمَانَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ شَابٌّ، وَأَسْلَمَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ.
وَسَمِعَ مِنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأُبَيٍّ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي مُوْسَى، وَأَبِي أَيُّوْبَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَعِدَّةٍ.
وَحَفِظَ القُرْآنَ، وَقَرَأَهُ عَلَى: أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَتَصَدَّرَ لإِفَادَةِ العِلْمِ، وَبعُدَ صِيْتُهُ.
.... قَالَ أَبُو خَلْدَةَ: مَاتَ أَبُو العَالِيَةِ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ. [الذهبي، سير أعلام النبلاء]
فهو من كبار التابعين
ـ[ابن جرير العربي]ــــــــ[06 Jan 2010, 12:32 م]ـ
الفرق بين الجهل والجهالة:
[الجهل: يُقابل العِلم ... هذا ما تعاضدت عليه المعجمات اللغوية التراثية.
أي: الجهل يقابل العِلم بحسب الذات، ثم زاد اللغويون معانيَ أخرى في معجماتهم بحسب الأعراف الاجتماعية، وما نُقِلَ إليهم من تفسير لآيات القرآن الكريم.
وهذا الزَّبِيدي صاحب معجم (تاج العروس) (14/ 129) وهو أوسع المعجمات يقول:
[جهل: جَهِلَهُ، كـ (سَمِعَهُ)، جَهلاً وجَهالَة: ضد عَلِمَهُ].
ونَقَلَ عن بعضهم: [الجهل: التقدّم في الأمور المنبهمة بغير عِلْم].
______
وأضافوا معنًى لغوياً آخر ... وهو قولهم: استجهله: استخفّهُ.
قال النابغة الذبياني (ديوانه، ط بيروت، 64):
دعاك الهوى واستجهلتك المنازل ** وكيف تصابى المرء والشيب شامل؟
_______
والآن كيفَ فُسِّرَت (الجهالة) بـ (الحمق والطيش)؟
لدينا لفظة (استجهله) التي ذكرناها آنفاً في شعر النابغة الذبياني بمعنى (استخفّه) ... فهل الاستخفاف فيه معنى الحمق أو الطيش، ولو بالتقريب بينهما؟!!
_______
لكنّ العلماء أفاضوا في معاني الجهل، ذاكرينَ أنواعه، ومنهم الراغب الأصفهانيّ في كتابه: (المفردات في غريب القرآن) الذي تبِعه العلماء من اللغويين والمفسرين في تقسيمه، قائلاً:
الجهل على ثلاثة أضرب:
الأول: هو خلو النفس من العلم، وهذا هو الأصل، وقد جعل ذلك بعض المتكلمين معنى مقتضياً للأفعال الخارجة عن النظام، كما جعل العلم معنى مقتضيا للأفعال الجارية على النظام.
والثاني: اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه.
والثالث: فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل، سواء اعتقد فيه اعتقاداً صحيحا أم فاسداً، كتارك الصلاة عمداً. وعلى ذلك قوله تعالى: (أتتخذنا هزواً قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) (البقرة، الآية 67)، فجعل فعل الهزء جهلاً. وقوله تعالى: (فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة) (الحجرات، الآية 6).
والجاهل يُذكر تارة على سبيل الذم، وهو الأكثر، وتارة لا على سبيله، نحو: (يحسبهم الجاهل أغنياء)، (البقرة الآية 273)، أي مَن لا يعرف حالهم.
انتهى تقسيم الراغب الأصفهاني.