سادساً: لم يكن زواجه صلى الله عليه وسلم من زوجاته واختياره لهن لأجل الشهوة ولو مرة واحدة، فالذي يتتبع كيف تزوجهن صلى الله عليه وسلم ولماذا تزوجهن يرى فعلاً أن الشهوة ليست الدافع وراء زواجه منهن، وإنما كانت صلة الرحم ورفع المهانة هي الباعث الأكبر في نفسه الشريفة على التفكير في الزواج بهن، ومعظمهن كنَّ أرامل فقدن الأزواج أو الأولياء.
وباختصار سأطوِّف مع حِكَم وأسباب زواجه صلى الله عليه وسلم من أمهات المؤمنين:
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة بعد موت خديجة رضي الله عنها، فبعد أن مات زوج سودة، لم تقدر أن ترجع إلى أهلها الكفار، وقد فرّت بدينها من قبل خوفاً منهم أن يعيدوها إلى الشرك، ولم يكن من يكفلها، فكفلها النبي صلى الله عليه وسلم بأن تزوجها.
ثم بعد شهر عقد على عائشة رضي الله عنها، والحكمة في ذلك كالحكمة في التزوج من حفصة رضي الله عنها، وهي إكرام صاحبيه -أبي بكر وعمر رضي الله عنهما- بمصاهرته لهما.
وأما التزوج بزينب بنت جحش فالحكمة فيه تعلو كل حكمة، وهي إبطال تلك البدع في الجاهلية التي كانت لاحقة ببدعة التبني كتحريم التزوج بزوجة المتبنى بعده.
وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بجويرية بنت الحارث -سيد بني المصطلق- فقد كان المسلمون أسروا من قومها مئتي بيت بالنساء والذراري، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يعتق المسلمون هؤلاء الأسرى، فتزوج بسيدتهم؛ فقال الصحابة عليهم الرضوان: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أسرهم وأعتقوهم؛ فأسلم بنو المصطلق لذلك أجمعون.
وقبل ذلك تزوج صلى الله عليه وسلم بزينب بنت خزيمة بعد أن قُتل زوجها عبدالله بن جحش، وذلك لفضلها وعطفها على المساكين، فكان زواجه صلى الله عليه وسلم مكافأة لها، وهذه ماتت في حياته.
وتزوج بعدها أم سلمة رضي الله عنها، وكان زوجها قبل النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله أبو سلمة -ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة-، ترك لها أيتاماً صغاراً، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم واحتضن أولادها.
وأما زواجه بأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما فكان مواساة لها بعد تَنَصُّر زوجها أثناء هجرتها في الحبشة، وهو أيضاً من باب التقريب بين قومها -خصوصاً أبوها- وبين الإسلام.
وتظهر حكمة زواجه من صفية بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير من قول الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها سيدة بني قريظة والنضير لا تصلح إلا لك، فاستحسن رأيهم وأبى أن تذل هذه السيدة؛ بأن تكون أسيرة عند من تراه دونها؛ فأعتقها وتزوجها.
وكانت ميمونة بنت الحارث آخر أزواجه صلى الله عليه وسلم، والذي زوجها منه هو عمه العباس، وهي خالة عبدالله بن عباس وخالد بن الوليد، ولعل الحكمة في تزوجه ? بها تَشَعُّب قرابتها في بني هاشم وبني مخزوم.
فلو كان عليه السلام أراد بتعدد الزواج ما يراه الملوك والأمراء من التمتع بالحلال فقط لاختار حسان الأبكار على أولئك الثيبات المكتهلات، كما قال لمن اختار ثيباً: "هلاّ بكراً تلاعبها وتلاعبك" والحديث في "الصحيحين" قاله صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبدالله (10).
سابعاً: كان لتزوجه صلى الله عليه وسلم منهن رضي الله عنهن هدف آخر عظيم؛ وهو تبليغ الدعوة، لا سيما أنه النبي الخاتم، خصوصاً في الأمور التي تتعلق بأحكام النساء ويتحرج من ذكرها الرجال.
"وزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم خير معاون على تبليغ الرسالة باعتبارهنَّ المصدر الأساسي في الوقوف على خصائص بيت النبوة وأسراره الداخلية والتشريعية، ومعرفة دقائق الأحكام، وخاصة فيما يتعلق بأحكام النساء، مما هو مناط التشريع، حيث لا يصلح أحد غيرهن في الوقوف على ما يريده الرسول صلى الله عليه وسلم دون حياء، أو تردد من الإفضاء به، لما يرافقه من الحساسية التي يتورع الرجل أن يتباسط فيها مع النساء الغريبات عنه، ومن هنا كانت زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم مشاعل حكمة ورسل دعوة" (11).
وبعد أن تبين الرشد من الغي، لا يسع المسلم إلا أن يفخر بدينه وبنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي قال الله عنه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيراً} [الأحزاب:21].
¥