ومن أهم ما أنصح به طالب العلم - عموما - الحرص على التطبيقات، فإذا قرأ - مثلا - نوعا من أنواع علوم القرآن (كأمثال القرآن)، فإنه يجتهد في تطبيق مسائله على الآيات، فيأخذها من خلال سورة، أو من خلال جزء، فإذا عمل في كل نوع يمكن التطبيق عليه مثلَ ذلك صار عنده رسوخ في المادة النظرية وفي المادة التطبيقية.

هل في علوم القرآن تخصصات؟ أم أنه تخصص واحد؟ هذا إذا استثنينا علم القراءات. وما هي هذه التخصصات؟

هناك علم التفسير، وهو ميدان واسع، وإن كنت أرى أنه لا يلزم أن نقول: إنها تخصصات، وإنما هي أنواع؛ قد تجتمع تحت نوع عام، وقد ينفرد بعضها فلا يمكن إدراجه ضمن نوع عام من هذه الأنواع. وعندي أن فقه هذا السؤال يفيد دارس علوم القرآن ومدرّسَه، وأنت أشرت في سؤالك إلى هذا، فأقول:

إنه يمكن أن تُدرس الأنواع المتعلقة بأحوال نزول القرآن تحت مسمى عام، وهو (نزول القرآن)، ويدخل تحت ذلك عدد من الأنواع التي فصّلها العلماء ككيفية نزوله، ونزوله بلغات العرب، ونزوله بالأحرف السبعة، وأسباب نزوله، ومكية ومدنية، وغير ذلك مما له علاقة بالنزول.

كما يمكن أن تدرس الأنواع المتعلقة بأدائه تحت مسمى (علم الأداء)، ويدخل في ذلك ما يتعلق بقراءاته واختلاف أدائها، وكذا تجويده.

ويمكن أن تُدرج أنواع العلوم المتعلقة بالتفسير تحت مسمى (علوم التفسير)، وهكذا يمكن أن تجتمع هذه الأنواع المتكاثرة تحت مسميات عامة ذات دلالة على ارتباطها بنوع من أنواع علوم القرآن، وأفضل من طبَّق هذه الفكرة البلقيني (ت 824) في كتابه (مواقع العلوم من مواقع النجوم).

ويمكن أن تدرج مجموعة من أنواع علوم القرآن تحت ما يسميه بعض الأصوليين بعوارض الألفاظ، ويدخل فيها أنواع؛ كالناسخ والمنسوخ، والمتشابه، وكذا ما يسمونه بدلالات الألفاظ كالعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين. ولو عُمل بأنواع علوم القرآن مثل هذا لأفادت الطالب، ولأعانته على سبر هذه الأنواع، وعلى ضبط دراستها.

هل يشترط لطالب علم التفسير حفظ القرآن كاملا؟

لا يشترط، لكن لا شك في أن حافظ القرآن يكون أكثر إبداعا في التفسير من غير الحافظ، كما أن المتقن للحفظ الذي يستطيع أن يستظهر محفوظه بسرعة سيكون إبداعه في الدرس والتأليف أكثر، واستمع إلى مثل الشيخ الإمام محمد الأمين الشنقيطي (ت 1393) لتنظر حقيقة ما ذكرت لك.

أما إذا كان مقام الطالب مقام البحث، فإنه سيمكنه الاستعانة بالبرامج وغيرها ويستفيد منها في تحضيره وكتابته.

هل لا بد من قراءة جميع كتب الأمهات في التفسير لمن يريد أن يتخصص في هذا الفن؟

من خلال تجربتي في هذا العلم، وتنوع ممارساتي فيه، استقر الأمر عندي على أن طالب هذا العلم يلزمه أن يقرأ أصول التفسير، ثم يجتهد في تطبيق ما درسه في هذا العلم، فإذا استطاع أن يصل إلى معرفة طريق تحرير التفسير، والخلوص من الاختلافات الواردة في التفسير إلى الرأي الصواب؛ سواء أكان بجمع الأقوال أم كان بترجيح أحدها، فإنه يمكنه بعد ذلك أن يقرأ في الأمهات.

ولا يلزم من أراد أن يفسر القرآن القراءة في جميع الأمهات، لكني أرى أن يلتزم كتابا أو كتابين يكونان مصدرا رئيسا يصدر عنهما وينهل منهما، ويضيف لهما مما يجد هنا وهناك.

أما إن كان متخصصا - كما في سؤالكم - فإنه يحسن به أن يكثر من القراءة والبحث والتنقيب في عدد من الأمهات ليكون فهمه للآية أوسع، وبيانه أوضح، وهذا ظاهر بالممارسة.

وبمناسبة سؤالك، فإني أذكر أهم كتب التفسير التي يحسن بطالب العلم غير المتخصص أن يقتنيها، وتكون في مكتبته:

1 - جامع البيان في تأويل آي القرآن، لإمام المفسرين محمد بن جرير الطبري (ت 310).

2 - المحرر الوجيز، لعبد الحق بن عطية الأندلسي (ت 542).

3 - الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (ت 671).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015