ثم انتقل الدكتور للحديث عن السرقات العلمية، وظهرت غيرة الدكتور الشديدة على التراث الإسلامي مما اعتراه من عبث العابثين، ولم يكتفِ بذلك بل صرَّح باسم الدار التي تولت كِبْرَ نشر هذه السرقات وهي "دار الكتب العلمية بيروت" من خلال اسمين اثنين: عادل أحمد عبد الجواد وعلي محمد معوض، واقترح الدكتور أن تُكتب رسالة دكتوراة يبحث صاحبها في موضوع: "دار الكتب العلمية وعملها في تشويه التراث".
ثم تحدَّث الدكتور عن مدارس التحقيق، وبيَّن أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام، وهي كالآتي:
1] مدرسة التفصيل المنتشر، وهي التي ينتهج فيها المحقق منهج التفصيل الزائد عن القدر الملائم في مثله، وأن الكتاب الأصلي ربما يكون صغير الحجم، لكنه مع الحواشي والتعليقات الزائدة عن القدر الملائم يصبح الكتاب كبيراً، وهو في حقيقته ليس كذلك.
2] مدرسة الاختصار، وهي التي يلتزم فيها المحقق بإقامة النص وإثباته، مع التعليق الموجز - جداً - على ما يلزم التعليق عليه.
3] مدرسة التوسط بين التفصيل والإيجاز، وهي التي ينتهج فيها المحقق منهج الاعتدال في التحقيق، فيكون وسطاً بين المدرسة الأولى والثانية، وهذه المدرسة هي التي يختارها الدكتور الخراط، وهي التي يوصي بالتحقيق وفق منهجها وكيفية التعامل مع النصوص من خلالها.
ثم انتقل الدكتور للحديث عن مراحل تحقيق النصوص، وهي على النحو الآتي:
1) مرحلة ما قبل الشروع في التحقيق.
2) مرحلة جمع نُسَخِ المخطوط.
3) مرحلة فحص النُّسَخِ.
4) مرحلة البدء في التحقيق.
((1)) فأما المرحلة الأولى، وهي "مرحلة ما قبل الشروع في التحقيق"، فقد أشار الدكتور إلى أن الباحث إذا بدأ في البحث عن مخطوط يقوم بتحقيقه فعليه أن يقف على أهمية المخطوط الذي يرغب بتحقيقه، وهل سيقدم جديداً في المكتبة الإسلامية؟ وهل مؤلف المخطوط له قدم راسخة وثابتة في هذا الفن؟ وهل سبق أن حُقِّقَ هذا الكتاب تحقيقاً علمياً؟
((2)) ثم تأتي المرحلة الثانية، وهي "مرحلة جمع نُسَخِ المخطوط"، حيث وجَّه الدكتور إلى ضرورة أن يخصص الباحث مذكرة مستقلة لتدوين أماكن وجود نُسَخِ المخطوط حول العالم، وبيَّن أن حصول الباحث على أكبر قدر ممكن من النُّسَخِ الخطية للكتاب المراد تحقيقه يعد أمراً مهماً غاية الأهمية، وهو من مصلحة الباحث، ويزيد من القيمة العلمية للتحقيق.
ونوَّه على أن الباحث يلزمه أن يحرص أشد الحرص على الوصول إلى النُّسَخِ الخطية للكتاب المراد تحقيقه بأي ثمن وبأي وسيلة، وأن هذا يجب أن يكون شغله الشاغل وهمه الذي يؤرقه حتى يتمكن من إتمامه.
((3)) ثم تأتي المرحلة الثالثة، وهي "مرحلة فحص النُّسَخِ"، وقد أسهب الدكتور كثيراً عند حديثه عن هذه المرحلة، وألمح إلى أن المخطوطات مجهولة العنوان أو مجهولة المؤلف تحتوي في الغالب على كنوز عظيمة ونفائس لا تقدر بثمن، وذلك أن الصفحة الأولى من المخطوط ربما تُنزع أو تَسقط فلا يهتدي المفهرس إلى عنوان المخطوط، خصوصاً وأن مفهرسي المخطوطات - والحديث للدكتور - أكثرهم وأغلبهم جهلة غير مختصين في العلوم الشرعية، ولذلك فإنه نبَّه على أن الباحث يلزمه ألا يغتر ويُخدع بما قد يجده من عنوان على صفحة الغلاف فيما يتعلق بعنوان المخطوط أو اسم مؤلفه، بل هذا أمر يكثر فيه عبث المفهرسين، ولذلك وجَّه بأن المخطوط الذي ليس للباحث جزم في عنوانه أو اسم مؤلفه فإن ابتعاده عنه أفضل وأسلم.
كما حذَّر الدكتور من التسليم المطلق والإذعان التام بتاريخ النَّسْخِ المدوَّن على المخطوط، لأن بعض الناسخين ينسخ المخطوط كاملاً بما في ذلك تاريخ نسخه.
وحذَّر كذلك من أن يغتر الباحث بجمال الخط في المخطوط ووضوح عبارته وحسن ترتيبه، فربما كان ذلك المخطوط آية في التصحيفات والأخطاء.
كما حذَّر من أن يُخدع الباحث بآثار الأرضة والطمس والخرم الموجودة على المخطوط فيظن أن المخطوط قديم، فهذا أمر ليس على إطلاقه، فقد يكون المخطوط متأخراً وعليه هذه الآثار لسوء العناية به، وقد يكون متقدماً من القرن الرابع أو الخامس لكنه وجد عناية واهتماماً فبقي على حاله كما هو دون تَغَيُّر.
وأشار إلى أن بعض المخطوطات ربما تكون الأوراق فيها مبعثرة، وأَرجَعَ ذلك إلى سوء صنيع المفهرسين غير المختصين بعلوم القرآن والعلوم الإسلامية عموماً.
¥