ومما يقوى هذا ويعززه جدا - فيما أرى - الآية التى نحن بصددها الآن: " وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم "

فما كان المسيح عليه السلام ليجيز لهم المغفرة وهو عالم بأنهم مشركون شركا أكبر، وعالم كذلك بأن المشركين مأواهم النار كما قال هو بنفسه فى الآية 72 من نفس السورة

أقول هذا ثم أختمه بقولى: والله أعلم وأحكم.

فأقول كما قلت سابقا: إن المسيح لم يجز لهم المغفرة ولا يفهم ذلك من كلامه وإنما هو مقام التفويض التام، ومثله تفويض جميع المرسلين في قول الله تعالى:

(يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) سورة المائدة (109)

يقول بن عاشور رحمه الله تعالى:

"ويحمل قول الرسل: {لا علم لنا} على معنى لا علم لنا بما يضمرون حين أجابوا فأنت أعلم به منّا. أو هو تأدّب مع الله تعالى لأنّ ما عدا ذلك ممّا أجابت به الأمم يعلمه رسلهم؛ فلا بدّ من تأويل نفي الرسل العلم عن أنفسهم وتفويضهم إلى علم الله تعالى بهذا المعنى. فأجمع الرسل في الجواب على تفويض العلم إلى الله، أي أنّ علمك سبحانك أعلى من كلّ علم وشهادتك أعدل من كلّ شهادة، فكان جواب الرسل متضمّناً أموراً: أحدها: الشهادة على الكافرين من أممهم بأنّ ما عاملهم الله به هو الحقّ. الثاني: تسفيه أولئك الكافرين في إنكارهم الذي لا يجديهم. الثالث: تذكير أممهم بما عاملوا به رسلهم لأنّ في قولهم: {إنّك أنت علاّم الغيوب}، تعميماً للتذكير بكلّ ما صدر من أممهم من تكذيب وأذى وعناد. ويقال لمن يَسأل عن شيء لا أزيدك علماً بذلك، أو أنت تعرف ما جرى. وإيراد الضمير المنفصل بعد الضمير المتّصل لزيادة تقرير الخبر وتأكيده."

ثم أختم بهذه الآية وأظنها ستزيل عنك كل لبس في أمر القوم ومن ذلك اللبس الحاصل عندك في فهم قول عيسى عليه السلام في سورة المائدة.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) سورة البينة (6)

هذا والله أعلم وأحكم

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.

ـ[العليمى المصرى]ــــــــ[28 عز وجلec 2009, 11:06 م]ـ

أهل الكتاب ليسوا سواء

أخى الكريم حجازى الهوى

سلام الله عليك ورحمته وبركاته

ثم أما بعد، أراك قد أطلقت الحكم وعممته ليشمل كل أهل الكتاب فى كل العصور والأزمنة وفى كافة البقاع والأمكنة

فهل هذا هو حقا موقف القرآن منهم؟ هل يعتبرهم جميعا مشركين وبلا أدنى تمييز أو استثناء؟

والجواب الصحيح: ان أهل الكتاب وبنص القرآن ذاته: (ليسوا سواء)، فان منهم المؤمن ومنهم الكافر، قال تعالى:

(لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ)

وقال كذلك: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}، أي أن منهم من يؤمن بالله واليوم الآخر، وليسوا جميعا من الكافرين

كما قال تعالى: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}

وقد أشرت فى مداخلة سابقة الى أن نصوص الكتاب والسنة قد دلت على وجود فرق بين أهل الكتاب وغيرهم من الكفار في بعض الأحكام والتى منها: حل ذبائحهم، وحل نسائهم العفيفات، وذلك بخلاف سائر طوائف الكفار من المجوس وعبدة الأوثان وغيرهم، فلا تحل ذبائحهم، ولا نسائهم للمسلمين، وهذا متفق عليه بين العلماء، ومن ذلك أن الجزية لا تؤخذ إلا من اليهود، والنصارى، والمجوس على قول أكثر أهل العلم

وقد قال الامام ابن حزم- رحمه الله - فى (مراتب الإجماع): " اتفقوا علي تسمية اليهود والنصاري كفارا، واختلفوا في تسميتهم مشركين، واتفقوا أن من عداهم من أهل الحرب يسمون مشركين "

وقال شيخ الاسلام ابن تيمية- رحمه الله - فى (مجموع الفتاوي):

(الشرك المطلق في القرآن لا يدخل فيه أهل الكتاب , وإنما يدخلون في الشرك المقيد)

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015