يمتاز الأسلوب القرآني الكريم بمزايا باهرة قاهرة من أظهرها مرونة أسلوبه، وخصوصية كلماته، وسعة دلالة مفرداته، ودقة عباراته، ودقة العبارة لا تعني ضيق الدلالة، ولهذا كان القرآن الكريم حمّال وجوه. تتسع الآيات لوجوه من التأويل تكون معه آياته أوسع من أن تحصر في دلالة ضيقة ولا ينبغي أن يساء هذا الفهم لتحميل الآيات ما لا تحتمل ويستخرج منها ما لا تدل عليه.

إِذ إِنها سعة داخل دلالة الكلمات واستعمالاتها اللغوية الصحيحة وهذه الميزة تؤدي إِلى عدم حصر دلالة الآية على حقيقة علمية واحدة، فإِذا ما اتسعت دلالة الكلمة القرآنية لغويًّا، وأيدت حقيقة علمية إِحدى هذه الدلالات فإِنه يؤخذ بها لكن ينبغي ألا يكون على سبيل الحصر والقصر عليها، ويحكم ببطلان ما عداها من الدلالات الأخرى للمفردة القرآنية فليس ببعيد أن تكون الحقيقة العلمية المكتشفة إِحدى دلالات الآية القرآنية لا كل دلالتها فلا نتحجر في دلالة الآية واسعًا.

فقد علل المتقدمون تخصيص ذكر البنان في قَوْله تَعَالَى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [7] بتعليل صحيح سليم. وكشف العلم التجريبي المتأخر عن خاصية لِلْبنان كانت مجهولة فتكشف شيء من سر تخصيصه بالذكر، وقد تكشف قوادم الأيام ما لا يعرف الآن. وهكذا باقي الآيات [8]

فسبحان الذي خلق فسوى. والذي قدر فهدى.

رأيٌ في الموضوع:

لا شك في إِعجاز القرآن الكريم من كل الوجوه. وهناك تفريق بين الإِعجاز العلمي في القرآن الكريم، وما اشتهر بالتفسير العلمي للقرآن فالأول متفق عليه لا إِنكار له؛ لأنه لن يكون هناك تعارض بين حقيقة قرآنية وحقيقة علمية قطعية؛ لأنهما من مشكاة واحدة، فالكون خلق الله. والقرآن كلام الله.

لكن وقع الخلاف في الثاني وهو التفسير العلمي للقرآن، وذلك بأن نأتي بمسائل العلم التجريبي فنفسر بها دلالة الآيات كما سبق بيانه.

والملاحظ أن مسلمي هذا العصر يسترخون في الدرس والبحث. ويستلقون على آرائكهم فإِذا ما ظهرت مسألة علمية وخرجت من الفرضية النظرية لتدخل حيز الحقائق العلمية سارع بعضهم للقول بأننا نعرفها قبل ذلك، وأن القرآن الكريم أشار إِليها. وقد تكون هذه الإِشارة القرآنية إِليها قريبة أو بعيدة.

والمسلك الأمثل والأنفع أن تكون للمسلمين مراكز أبحاث ودراسات تنكب على الموضوعات بعمق وأناة وأن تكون إِشارات القرآن العلمية - وكذلك صريح وصحيح السنة النبوية - هي طليعة ما يدرس ويبحث.

وهذا المسلك والمنهج يجعلنا نظفر بالنتيجة سلفًا في بعض الحالات وتبقى معرفة الأسرار والتفصيلات. والتي ينبغي أن تكون هي محل الدراسة والبحث.

وبضرب المثال يتضح المقال:

1 - في قَوْله تَعَالَى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [9] دلالة على تميز البنان بشيء أو أشياء ولهذا خص بالذكر، هذه هي النتيجة ويبقى التساؤل عن هذه الميزة. فقد عرفنا شيئًا وباستمرار البحث قد نعرف أشياء.

2 - قال جل وعلا عن النحل وما يخرج منه من عسل {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [10]

فالآية صريحة في تقرير حقيقة أن في العسل شفاء للناس. فكان المفروض في المسلمين أن تنصب دراساتهم، وينكب الباحثون منهم في معرفة أسرار وتفصيل ذلك، وبأيديهم النتيجة المقطوع بها. فتنصرف الدراسات والأبحاث لمعرفة أي أنواع الأمراض التي يشفيها العسل، وأسلوب التناول والاستعمال وأثر غذاء النحل واختلاف ألوانه في الشفاء إِلى غير ذلك من المسائل والتفصيلات المتعلقة بهذا. وهكذا في آيات كثيرة أخرى.

وفي الحديث الصحيح: "الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ" [11].

فهذا الحديث صحيح في سنده. صريح في دلالته. مقطوع بنتيجته لكن هل أجرت مراكز أبحاثنا ما يكفي من الدراسات للتعرف على خصائص هذا الماء ولأي الأدواء يكون فيه الشفاء؟

فلماذا يتأخر المسلمون عن مثل هذه الدراسات حتى إِذا ظهرت في غرب أو شرق سارعنا إِلى القول بأن هذا عندنا مذكور في كتاب ربنا وسنة نبينا. فأين كنا؟.

--- الحواشي ------------

[1] سورة الإسراء / 9

[2] سورة الذاريات / 56 - 58

[3] سورة الذاريات / 21

[4] سورة الأعراف / 179

[5] سورة الملك / 14

[6] سورة الفرقان / 6

[7] سورة القيامة / 4

[8] انظر: مباحث في إِعجاز القرآن لدكتور مصطفى مسلم (152 - 156).

[9] سورة القيامة / 4

[10] سورة النحل / 69

[11] أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الطب، باب ما جاء في الكمأة والعجوة (4/ 401) وقال عنه: هذا حديث حسن صحيح

المصدر: رسالة الإسلام ( http://www.islammessage.com/articles.aspx?cid=1&acid=136&aid=3213).

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[22 Nov 2009, 02:44 م]ـ

[ size=1] رأيٌ في الموضوع:

.... والملاحظ أن مسلمي هذا العصر يسترخون في الدرس والبحث. ويستلقون على آرائكهم فإِذا ما ظهرت مسألة علمية وخرجت من الفرضية النظرية لتدخل حيز الحقائق العلمية سارع بعضهم للقول بأننا نعرفها قبل ذلك، وأن القرآن الكريم أشار إِليها. وقد تكون هذه الإِشارة القرآنية إِليها قريبة أو بعيدة.

والمسلك الأمثل والأنفع أن تكون للمسلمين مراكز أبحاث ودراسات تنكب على الموضوعات بعمق وأناة وأن تكون إِشارات القرآن العلمية - وكذلك صريح وصحيح السنة النبوية - هي طليعة ما يدرس ويبحث.

وهذا المسلك والمنهج يجعلنا نظفر بالنتيجة سلفًا في بعض الحالات وتبقى معرفة الأسرار والتفصيلات. والتي ينبغي أن تكون هي محل الدراسة والبحث.

فلماذا يتأخر المسلمون عن مثل هذه الدراسات حتى إِذا ظهرت في غرب أو شرق سارعنا إِلى القول بأن هذا عندنا مذكور في كتاب ربنا وسنة نبينا. فأين كنا؟. [/ size

المصدر: رسالة الإسلام ( http://www.islammessage.com/articles.aspx?cid=1&acid=136&aid=3213).

كثيرا ما نسمع مثل هذا الكلام من المعترضين على القول بالإعجاز العلمي ويوردونه على أنه يطعن في القول بالإعجاز وهذا في نظري إيراد لا يصح ولا يستقيم، لأن القرآن خطاب للبشرية جمعاء على اختلاف عقائدهم.

وإذا سبق أولئك إلى اكتشاف سنن الله في الكون والمخلوقات ووافق ما في القرآن فلماذا نرده ونطعن فيه؟

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015