ونبهه إِلى ما حوله في هذه الأرض التي تقله والسماء التي تظله. فبسط له الأرض ويسرها وأودع فيها وعليها ما ينفع الإِنسان ويدل على قدرة الخالق وعظمته ورحمته. إِلى غير ذلك من خلق الله وعظيم آياته التي تدل عليه وتدعو إِليه. فيتعين أن تبقى الدراسات القرآنية المتعلقة بالآيات الكونية في حدود هذا الغرض ومحققة له؛ لأن استغلال هذه الموجودات والاستفادة المادية منها فقط دون الاهتداء بها إِنما هو منهج جاهل، جاحد، ضال، لأن هذه الآيات الموجودة، وهذه العظمة القائمة، والدقة المتناهية في هذا الخلق بأرضه وسمائه، ببحاره ومجراته، بحيوانه ونباته، بإِنسانه وكل أجزائه إِنما هي شواهدُ قواطع، وبراهين سواطع على وجود الله جل وعلا وقدرته وعظمته وأنه الإِله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي يجب أن تصرف العبادة له وحده.

فالإِنسان الذي يشهد ويشاهد كل هذه المخلوقات والمشاهد ثم لا يهتدي إِنما هو أضل من حمار أهله. وتأمل قَوْله تَعَالَى وكفى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [4].

ثانيًا: الاعتدال في التناول دون إِفراط أو تفريط:

بعد أن تقرر أن القرآن الكريم كتاب هداية وأن فيه الكثير من الآيات البينات التي تَذْكر الكون وتذكِّر الإِنسان بما فيه من دقائق وحقائق، عليه أن يلتفت إِليها ويستفيد منها ويستدل بها. ولا يصح إِهمالها أو الإِعراض عنها. بل ينبغي أن تتناول في هذا النطاق دون إِغراق في بحث خصائصها ودقائقها لأن هذا المسلك يحوّل التفاسير إِلى كتب اختصاص لهذه العلوم. ويحول دون تأثير القرآن في النفوس وإِنارته للقلوب. وهدايته للعقول. وهو الهدف الأساسي له ولعل مسلك الإِفراط في التناول وعدم الاعتدال فيه. وحشو التفاسير بتلك التفاصيل التي فيها ما يصح وما لا يصح كان أحد أسباب رفض هذا النوع من التفسير.

وكما ننتقد حشو التفاسير بالإِسرائيليات، والاستطرادات النحوية، والعقدية وخلافها. فهذا من ذاك.

فالقرآن الكريم إِنما يشير إِلى مجمل الحقيقة دون تفسير وتفصيل. وفي هذه الإِشارة عظيم الدلالة على أن هذا القرآن تنزيل من حكيم حميد. وليس من عند بشر. إِذ لو كان من عند غير الله لوجد الناس فيه اختلافًا كثيرًا وكبيرًا.

ثالثًا: الاقتصار على الحقائق:

ينبغي الاقتصار في تفسير آيات القرآن الكريم على الحقائق العلمية القطعية اليقينية. دون النظريات والفرضيات العلمية؛ لأن النظريات قابلة للتغير والتبدل. فربطها بالآيات وتفسير الآيات بها. ثم تغير التفسير بتغير النظرية يوقع في بعض النفوس ظلالا من الشك والريب. ما أغنانا عن ذلك.

رابعًا: اليقين باستحالة التعارض الصريح بين حقائق القرآن الكريم والحقائق العلمية:

ينبغي أن يكون في عقيدة ويقين كل مسلم استحالة التعارض والتصادم بين صريح دلالة آية قرآنية، وحقيقة علمية قطعية يقينية على الرغم من تقدم العلوم وكثرة حقائقها وقواعدها على امتداد الزمان واختلاف المكان وهذا الأمر من المسلمات البدهيات في عقيدة المسلم. وهذا من أظهر وأبهر وجوه الإِعجاز العلمي في القرآن الكريم.

ومرد ذلك انسجام العقائد في الإِسلام؛ لأن الحقائق القرآنية، والحقائق العلمية تخرج من مشكاة واحدة، وتصدر من مصدر واحد، فهذا الكون خلق الله، وهذا القرآن كلام الله.

ولن يخبر الله في كتابه بخلاف حقائق خلقه فهو خالقها بهيئاتها وحقائقها ودقائقها لا يعزب عن علمه منها شيء. {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [5]؟!

{قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [6] وما قد يلوث في بعض الأذهان من توهم بوجود تناقض وتعارض إِنما هو سوء فهم لإِحدى الحقيقتين القرآنية أو العلمية؛ لأن التعارض والتصادم بينهما مستحيل قطعًا. فقد تكون الآية غير صريحة في دلالتها فالوهم في سوء الفهم، أو أن تكون المسألة نظرية علمية لا حقيقة علمية.

خامسًا: الاستفادة من مزايا التعبير القرآني الكريم:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015