تختلف أدلة ومسببات قبول تفسير القرآن الكريم بمكتشفات العلم التجريبي - أو ما اشتهر بالتفسير العلمي - عند القائلين به وسأحاول في هذه الأسطر عرض أشهر وأظهر ما تبين لي منها.

والآيات والآثار التي سأوردها هي من استدلالات المتقدمين. والتعليلات من آراء المتأخرين. فمن ذلك:

1 - الاستدلال بظاهر عموم بعض الآيات ك قَوْله تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [9].

وقَوْله تَعَالَى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [10].

فيفسرون الكتاب بالقرآن، ويحملون الآية على ظاهر عمومها، وقد ساق الفخر الرازي بعض الاستدلالات للرد على منتقديه في الإِكثار من علم البيئة والنجوم بما يصلح أن يكون من أدلة المؤيدين لهذا النوع من التفسير منها:

1 - قَوْله تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [11] حيث حث على التأمل في بنائها وتزيينها.

2 - قَوْله تَعَالَى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [12].

إِذ بين أن عجائب الخلق في أجرام السماوات والأرض أكثر وأعظم وأكمل مما في أبدان الناس.

3 - قَوْله تَعَالَى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [13].

فقد مدح المتفكرين في خلق السماوات والأرض، ولو كان ذلك ممنوعًا منه لما فعل [14].

4 - قَوْله تَعَالَى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [15]

فقوله سنريهم يدل على الاستقبال ومنع هذا النوع من التفسير يؤدي إِلى قصر الإِعجاز القرآني على عصر النبوة فقط. وهذا يعني أن يستقبل القرآن القرون الأخرى دون إِعجاز أو عطاء. وهذا ممنوع [16].

2 - الاستدلال بعموم بعض الأحاديث والآثار من ذلك:

(أ) ما أخرجه الترمذي وغيره "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: سَتَكُونُ فِتَنٌ. قِيلَ: وَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا؟ قَالَ: كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ" [17] الحديث.

(ب) ما أخرجه أبو الشيخ عن أبي هريرة أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ اللَّهَ لَوْ أَغْفَلَ شَيْئًا لأَغْفَلَ الذَّرَّةَ وَالْخَرْدَلَةَ وَالْبَعُوضَةَ" [18].

(ج) ما أخرجه سعيد بن منصور عن ابن مسعود أنه قال: (من أراد العلم فعليه بالقرآن. فإِن فيه خبر الأولين والآخرين) [19].

3 - أن الله سبحانه وتعالى: ملأ كتابه من الاستدلال على العلم والقدرة والحكمة بأحوال السماوات والأرض وتعاقب الليل والنهار، وكيفية أحوال الضياء والظلام وأحوال الشمس والقمر والنجوم وذكر هذه الأمور في أكثر السور وكررها وأعادها مرة بعد أخرى. فلو لم يكن البحث عنها والتأمل في أحوالهم جائزًا لما ملأ الله كتابه منها. [20]

4 - إِن العلم الحديث ضروري لفهم بعض معاني القرآن الكريم، وليس هناك ما يمنع من أن يكون فهم بعض الآيات فهمًا دقيقًا متوقفًا على تقدم بعض العلوم. يقول مصطفى صادق الرافعي في إِعجاز القرآن "إِن في هذه العلوم الحديثة على اختلافها لعونًا على تفسير بعض معاني القرآن والكشف عن حقائقه" [21].

فتكون الحقيقة العلمية من مرجحات المعنى في الآية القرآنية [22] فإِذا احتملت الآية أكثر من معنى يتعين أن يؤخذ بما يرجحه العلم وتؤكده حقائقه ولا مسوغ البتة في تنكب ذلك وتجنبه، وهذا يعني أن الجهل بحقائق العلوم مدعاة إِلى الخطأ في التفسير.

يؤيد هذا التميز الذي تستقل به المفردة القرآنية، وتنفرد به عن غيرها في سعة معناها ودقة التعبير بها وتخير لفظها مما يستحيل معه أن تؤدي أي كلمة أخرى قريبة منها أو رديفة لها كامل معناها بإِيحاءاته وظلاله ودقائق معانيه، ومن هنا نجد أن غالب القائلين بوجود الترادف في اللغة يمنعونه في القرآن الكريم.

5 - تحقق فوائد كثيرة كبيرة من هذا النوع من التفسير مثل:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015