يقصد بـ"الكلمة الصميميّة focus – word" تعبيراً مفتاحيّاً مهمّاً جدّاً يشير ويحدّد مجالاً مفهوميّاً مستقِلاً ومتميّزاً نسبيّاً، أي "حقلاً دلاليّاً"، ضمن الكلّ الواسع للمعجم اللغويّ. فالكلمةُ الصميمية إذاً هي المركزُ المفهوميُّ لقطاع دلاليّ مهمًّ من المعجم اللغوي متضمّناً عدداً محدّداً من الكلمات المفتاحيّة.

ومفهوم " الكلمة الصميميّة " مفهوم مرن، وإذا ما هُيّئت كلمةٌ لأنّ تعمل "كلمةً صميميّة" في حقل دلاليّ محدّد، فإنّ ذلك لا يمنع الكلمةَ نفسَها من أن تتصرّف بوضعها كلمةً مفتاحيّة عاديّة في حقل آخر أو حقول أخرى. ويضرب مثلاً لذلك بكلمة "إيمان" ومشتقاتها إذ تلعب في القرآن دوراً في غاية الأهميّة. ولن يعترض أحدّ على عدها كلمةً صميميّةً تحكم حقلاً خاصّاً بها. وبالتالي يمكن أن نرى عدداً معيّناً من الكلمات الأُخَر المهمّة، أي الكلمات المفتاحيّة، تتجمّع حولها بوضعها النّواة المفهوميّة the conceptual nucleus أو نقطة البؤرة، مشكلةً معاً مجالاً مفهوميّاً دالاً ضمن المعجم اللغويّ الشامل للقرآن [50]. ويسجل في هذا السياق أهم فكرة في كتابه "الله والإنسان في القرآن" بقوله:"ولنقل الحقيقة، إنّ كلمة "الله" هي أسمى كلمة صميميّة في المعجم اللغويّ للقرآن، مهيمنةً على الميدان كلّه. وما هذا سوى المظهر الدّلاليّ لما نعنيه عموماً بالقول إنّ عالَم القرآن مرتكزٌ أساساً على الله" [51].

هذه هي أهم المداخل المنهجية التي أوضحها إيزوتسو في الفصول الأولى من كتابيه، وهي بالتأكيد ليست مبادئ جديدة بمفردها، إذ إنه قد استعمل بعضها في العلوم اللغوية وأصول الفقه، فمبدأ التحول الدلالي قد طبقه الأصوليون عند الحديث عن الحقيقة اللغوية والحقيقة الشرعية، كما بحث اللغويون تحول دلالات الألفاظ في اللغة مقارنة بالشعر الجاهلي [52]، وإن كانت دراسات قليلة وجزئية ولم تتطور إلى معجم تاريخي للغة العربية، إذ من الصعوبات التي لا تخفى عند المعنيين بالقضايا اللغوية غياب معجم تاريخي للألفاظ العربية، وعدم مراعاة التطور الدلالي في المعاجم المتوفرة [53].

وكذلك الشأن بالنسبة لأهمية السياق النصي فقد اعتنى به المفسرون في إطار ما عرف بتفسير القرآن بالقرآن، لكن هذا الاهتمام بهذه الجوانب ظل في إطار فهم النص والمعنى، لا في إطار تحليل المفهومات القرآنية ضمن نسق محدد.

رابعاً: الخاتمة: (خلاصة وتقييم)

إذا أردنا أن نلخص منهج إيزوتسو في تطبيق علم الدلالة في فهم القرآن، يمكن أن نسجل النقاط التالية:

· تطبيق عِلْم الدّلالة في دراسة القرآن عند إيزوتسو هو دراسةٌ تحليلية للتعابير المفتاحية في لغةٍ القرآن ابتغاءَ الوصولِ إلى إدراكٍ مفهوميٍّ للنّظرة القرآنية إلى العالم. فهو بعبارة أخرى محاولة للكشف عن تصور الإنسان والكون والحياة كما يتجلى في القرآن.

· يؤكد إيزوتسو أن الكلمات القرآنية منثورة بشكل منظم وفائق الضبط، وثمة علاقات فيما بينها ولا يمكن فهم كلمة دون الربط بينها وبين شبكة المنظومات المفهومية التي تنتمي إليها.

· يستحضر إيزوتسو حقيقة أن لكل كلمة معنى وضعياً أساسياً لا يتغير بتغير الاستعمال، ومعنى سياقياً يضفي على الكلمة معان جديدة قد تقطع مع معناها الأصلي وتصبح كلمة جديدة كلياً في معناها، وهذا شأن المفردات القرآنية.

· يرى إيزوتسو أن الكشف عن الرؤية القرآنية للعالم يعتمد على دراسة ما يسميه التعابير المفتاحية في القرآن وهي الكلمات الرئيسة التي تمثل مركزاً في فهم موضوع معين أو حقل دلالي تنتمي إليه مجموعة أخرى من الكلمات. فثمة حقل دلالي (منظومة من المفهومات تدور حول موضوع مترابط، مثلاً حقل الأخرويات) وتعابير مفتاحية (كلمات أساسية تعتبر مفتاحاً لفهم المعاني في هذا الحقل الدلالي، مثلاً البعث والحساب والجزاء .. ).

· وثمة ما يسميه الكلمة الصميمة، وهي المركزُ المفهوميُّ لقطاع دلاليّ مهمًّ من المعجم اللغوي متضمّناً عدداً محدّداً من الكلمات المفتاحيّة، ويعتبر لفظ الجلالة هي الكلمة الصميمة للمعجم اللغوي القرآني، فكل شيء في القرآن مرتبط بها.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015