"وكثيراً ما يحدث أنّ القوّة المعدِّلة لجُملة المنظومة تفعلُ فِعْلَها في الكلمة إلى حدّ أنها تفقد تقريباً معناها المفهوميّ الأصليّ. وعندما يحدث هذا يكون لدينا كلمةٌ مختلفة، وبتعبير آخر، نشهد ولادةَ كلمة جديدة." [41]

4 - " التعابيرَ المفتاحيّة": المعجم اللغوي والنظرة إلى العالم:

يؤكد إيزوتسو أن التحليل الدّلاليّ ليس تحليلاً بسيطاً للبنية الشكليّة للكلمة وليس دراسةً للمعنى الأصليّ المرتبط بصورة الكلمة، أي دراسةً تُعنى بأصل الكلمات وتاريخها. ذلك لأنّ دراسة أصل الكلمات، -كما يرى- حتىّ حين نكون محظوظين تماماً بمعرفتها، تزوّدنا فقط بمفتاح فيما يتّصل بالمعنى "الوضعي" للكلمة، ويذكّر بأن "دراسة أصل الكلمات" في أحوالٍ كثيرة تظلُّ عملاً معتمداً على التخمين، وفي معظم الأحيان لُغْزاً لا حلّ له [42]، لذلك فهو يعول على المعنى السياقي لأن الكلمات في الّلغة تؤلَّف نظاماً شديد التّماسك. والنّمط الرّئيسُ لذلك النظام يحدّده عددٌ معيّنٌ من الكلمات الشديدة الأهمّية.

ويلاحظ أن الكلماتُ في المعجم اللغويّ ليست على قدْرٍ واحدٍ من القيمة في تشكيل البنية الأساسيّة للتصوّر الوجوديُّ الذي يشكّل أساس المعجم، أيّاً كانت أهمّيتُها من وجهات نظر أخرى [43]، فكل معجم لغوي يمثل ويجسد نظرة خاصة إلى العالم [44]. ويسمي تلك الكلماتُ التي تلعبُ دوراً حاسماً ً في تشييد البنْية المفهوميّة الأساسيّة لنظرة القرآن إلى العالم، " التعابيرَ المفتاحيّة" للقرآن. وتمثَّل كلماتُ: الله، الإسلام، الإيمان، الكافر، النّبيّ، الرّسول، بعضَ الأمثلة البارزة.

ويذكر أن ثمة صعوبة في عَمَلِ الدّارس الدّلاليّ في اختيار بعض التعابير المفتاحيّة لجُمْلة المعجم اللغويّ في القرآن دون غيرها، ولهذه الخطوة أهمية كبرى لأنّها ستحدّد جُملةَ العمل التحليليّ اللاّحق الذي سيقوم به، ويقر بوجود قدر من الاعتباطية في هذه المرحلة لكن ذلك ليس بمشكلةً حقيقيّة، لأنّه فيما يتعلّق، على الأقلّ، بالهيكل الرّئيس للتعابير المفتاحيّة ربّما لا يوجد هناك تعارضٌ جوهريٌ، ولا أحد سيشكّّ في اختيار كلماتٍ مثل إسلام، إيمان، كُفْر، نبيّ، الخ، ناهيك عن كلمة "الله" نفسها [45].

5 - الحقول الدلالية:

يقصد بالحقل الدلالي "مجموعة من الصلات الدلالية ذات طابع نمطي بين كلمات محددة في لغة من اللغات" [46]، فـ"حقول الدّلالة" هي المناطقُ أو المقاطعُ التي شكّلتها العلاقاتُ المختلفة للكلمات فيما بينها، ويمثل كل حقلٍ دلاليّ مجالاً مفهوميّاً مستقِلاًّ نسبياً مشابهاً تماماً في الطبيعة للمعجم اللغويّ. والاختلافُ بين "المعجم" و"الحقل الدّلاليّ" اختلافٌ نسبيٌّ، ومن الناحية الجوهريّة، لا يمكن أن يكون هناك اختلافٌ البتّة فيما بينها. لأنّه في الأحوال كلّها، ليس "الحقْلُ الدّلاليُّ " كُلاًّ أقلَّ تنظيماً من "المعجم اللغويّ ". لأنهّ كتلةٌ كاملة من كلماتٍ مرتّبةٍ في نمط دالً ممثّلٍ لمنظومة مفهوماتٍ مرتَّبةٍ ومبنيّةٍ وفقاً لمبدأ تنظيم المفهوميّ [47].

فالمعجم اللغويّ بوصفه حقلاً مفهوميّاً واسعاً مقسّمٌ على حقول محدّدة مختلفة. ولكن كلاًّ من الحقول المحدّدة، من حيث هو قطاعٌ منظّمٌ من المعجم اللغويّ، هو نفسهُ مؤهَّلٌ تماماً لأن يسمى "معجماً لغويّاً" إذا ما كان كبيراً إلى الحدّ الذي يُعَدّ فيه وحْدةً مستقلّة. ومن الوجهة النظريّة سيكون ممكناً والحالُ كذلك اعتبارُ المعجم اللغويّ القرآنيّ نفسه "حقلاً محّدداً " ضمن كلًّ أكبر كثيراً، هو المعجم اللغويّ للسان العرب في ذلك العصر. ويشترك شعراء الجاهليّة – وجزئيّاً أيضاً الشعراءُ المخضرمون – مع القرآن في مقدارٍ مهمّ من التعابير المفتاحيّة، لكنّ معجمهم اللغويّ ونظرتهم إلى العالَم مبنيّان على خطوط مختلفة جوهريًاً عن تلك التي للقرآن [48]. ويشير إيزوتسو لاحقاً إلى استخدامه مصطلحي "منظومة مفهوميّة Conceptual System" و"معجم لغويّ Vocabulary" من دون تمييز بينهما، كونهما مظهرين مختلفين لشيءٍ واحدٍ، يعني أنّ اللغويّ. هو ببساطة الجانبُ الآخر للمفهوميّ [49].

6 - الكلمة الصميمة:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015