وفي المقابل فقد أكثرَ في تفسيره من النقل عن التوراة والإنجيل، وبشكل خاص إنجيل برنابا [18].وأكثرَ النقل من كتب الإمام الغزالي، وبشكل خاص كتابيه: "جواهر القرآن"، و"إحياء علوم الدين" [19]، وأكثر النقل أيضاً من رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء ذات البعد العرفاني [20]. كما أكثر جداً من النقول من كتب الفلاسفة القدماء، وخصوصا أفلاطون وسقراط [21]، وفلاسفة وعلماء الغرب المعاصرين سواء في مجال علوم الطبيعية، أم في مجال النظريات الروحية، التي تؤمن بوجود الأرواح وقدرتها على مخاطبة الأحياء والتأثير فيهم، ويقينية المعرفة المتلقاة عن طريق الأرواح!

وفي الحقيقة، فإن الشيخ طنطاوي كان يعتقد بهذه النظريات اعتقاداً راسخاً إلى درجة جعلته يشارك مشاركة فعالة في تأسيس أول جمعية روحية في مصر لتحضير الأرواح ومخاطبتها، وهي دائرة القاهرة الروحية [22]، وقد أثَّرت آراؤه الروحية في تفسيره إلى درجة يمكن لنا أن ننظر إليه على أنه تفسير "علمي" و"روحي" في آن معا [23]. ومما لا شك فيه فإن جمع جوهري بين الرؤية "الروحية" والرؤية الفلسفية العرفانية، وبين الدعوة العلمية والسننية الصارمة في تفسيره وفكره عموماً، يشير إلى مأزق عميق في بنية خطابه الإصلاحي، وقد تكون هذه الازدواجية القلقة في فكره قد ساهمت ـ إلى جانب عوامل أخرى ـ في أن لا يترك تفسيره الأثر الكبير الذي كان يتوقعه له صاحبه.

ومن جهة أخرى، فإنه يمكن القول إن ظاهرة إدراج نصوص كثيرة مأخوذة من مراجع وكتب إسلامية، وأوربية عديدة، ومن مجلات وجرائد مصرية، وعربية، وأوربية متنوعة، وإدراج نصوص طويلة جداً من معظم كتبه، ومقالاته المنشورة سابقاً، هي سمة بارزة من سمات تفسير "الجواهر"، وقد تكون هذه السمة مؤشر ملحوظ على انفتاح تفكير جوهري على المصادر والمعارف البشرية بغض النظر عن أصحابها، وهذا أمر إيجابي بحد ذاته، ويمكن أن نعزو إليها السبب في ضخامة هذا التفسير الكبير الذي بلغ ثلاثة عشر مجلداً من القطع الكبير، ولكننا في الوقت نفسه نشير إلى أن هذه السمة مسؤولة عن ظاهرة تقطيع وحدة وانسجام وتماسك التفسير نفسه، وخاصة إذا عرفنا أن أغلب هذه النصوص المدرَجة بعيد الصلة عن أجواء الآيات المفسَّرة التي جاءت تلك النصوص في سياقها [24].

ـ كان يقرِّب الأشياء التي لا تخضع للتفسير العلمي المادي كإحياء الموتى، ووجود الملائكة والجن والبعث والنشور والخوارق والأمور الغيبية إلى الأذهان بشكل عام باستخدام المعلومات العلمية الموجودة بين يديه، وباستخدام أسلوب قياس الغائب على الشاهد الشائع عند متكلمي الخلف من أجل تقريب هذه المعاني الغيبية إلى مثقفي عصره الماديين. فهو يقيس الملائكة على النفس (المخ) في الإنسان، فكما أن النفس تسيطر على الجسد، وتدبر شؤونه، فكذلك الملائكة، فهي قد تكون ـ من باب التقريب ـ قوى خلقها الله تعالى تدبر وتسيطر على كل ما خلقه الله في الكون من الكواكب والشمس والقمر والنبات والحيوان [25].

وكان لا يتردد في بعض الأحيان عن تأويل بعض الآيات بما يتوافق مع النظريات الروحية التي شاعت في عصره في بعض المحافل في أوربا وأمريكا بطريقة لا تخلو من تكلف وتعسف كبيرين [26].

ـ وظِّف مجموعة من العلوم الكونية الحديثة، وقام بإدراج نصوصٍ منها بشكل مطول في تفسيره [27]

لمجرد ورود كلمة لها علاقة بأي مظهر من مظاهر الكون. وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّ جوهري كان يعتقد أن الإشارات التاريخية والعلمية الواردة في القرآن الكريم مذكورة بطريقة مجملة، وهي تشكِّل في مجموعها مقدماتٍ دافعة للبحث العلمي الذي يجب أن يقوم به علماء الأمم، وبشكل خاص المسلمون منهم الذين سبق لهم تلاوة الآيات التي تتضمن هذه الإشارات. فالقرآن الكريم يذكر الحقائق مجملة عامة من حيث تضمنه الإشارة إلى كل الظواهر الكونية من جهة، ويحث علماء الأمم على استقصاء هذه الحقائق والوقوف على تفاصيلها من جهة أخرى، فبيان وتفصيل المسائل العلمية والتاريخية من مهام العقل والخبرة البشرية، وليس من مهام الوحي الذي يكتفي بالإجمال، وإثارة الرغبة عند البشر في اكتشاف هذه العلوم، وليرتقوا بعد ذلك بقدر تعمقهم في دراسة هذه العلوم في مدارج الحضارة والتقدم. يقول جوهري: "واعلم أن خلق آدم وحواء ليس هناك دليل قطعي على كيفيته، والقرآن أتى به مجملاً على

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015