ـ اعتنى جوهري عناية كبيرة، بإبراز السياق التاريخي والثقافي لنزول القرآن الكريم، وتحديد البيئة التاريخية، أماكنها وأحداثها وأشخاصها، التي نزل القرآن الكريم فيها، من خلال حرصه الشديد على جمع وذكر أسباب نزول الآيات الكريمة، وحرصه كذلك على ذكر العادات، وظروف البيئة العربية التي سبقت ورافقت نزول هذه الآيات [12].

فقارئ هذا التفسير يخرج من قراءته بفهم معقول للسياق التاريخي الثقافي لنزول القرآن الكريم، ولا شك أنّ جهد جوهري في هذا المجال هو جهد علمي مشكور، وقد شكَّل حجراً أساسياً لكل منْ جاء بعده من المفسرين الذين أخذوا بعين الاعتبار هذا السياق في تفسيرهم، وأخص بالذكر منهم سيد قطب (ت1966م)، وعزة دروزة (ت1984م).

ـ لم يُظهر الشيخ جوهري اهتماماً كافياً بالتفسير الفقهي للآيات التشريعية بشكل عام، وكان يكتفي في تفسير أحكام هذه الآيات بذكر الأقوال الفقهية بشكل موجز جداً، منسوبة إلى أصحابها من علماء الصحابة والسلف وأئمة المذاهب، مع عناية خاصة بالمذهبين الحنفي والشافعي، من دون اللجوء إلى ذكر أدلة كل فريق في الأغلب، أو حتى وجه دلالة الآية المفسَّرة عليها، ودون الترجيح بين هذه الأقوال في الغالب. وكان يرجع في نقل هذه الأقوال إلى كتب التفسير السابقة، كتفسير الطبري، وابن كثير، والبغوي والرازي [13].

وفي الحقيقة، فإن عدم اهتمام جوهري بالجانب الفقهي من التفسير ينسجم مع رؤيته الإصلاحية التي يضع فيها الاعتناء بالعلوم الكونية في المقام الأول، ويرى فيها أن الآيات الكونية أولى بالاهتمام والعناية من آيات الأحكام بشكل عام. وقد يكون السبب في ذلك أيضاً هو أن العلماء والمفسرين الذي سبقوه، قد أعطوا تلك الآيات التشريعية جلّ اهتمامهم في تفاسيرهم، ولم يعطوا الآيات الكونية ما تستحقه من اهتمام ودراسة وبحث، لذا انصبَّ اهتمامه الزائد على دراستها وتفسيرها، دون آيات الأحكام، التي لم يُبق السابقون في تفسيرها، واستنباط الأحكام منها مزيداً لمستزيد من اللاحقين.

ـ لم يلجأ جوهري إلى استخدام التحليل اللغوي والبلاغي إلا في أدنى الحدود، وبقدر الحاجة، وبأبسط طريقة ممكنة، وجلّ اهتمامه اللغوي كان ينصب على تحليل الكلمات الغريبة للوقوف على أصل اشتقاقها لتحديد معناها بدقة [14].

وقد كان من منهجه وخطته في التفسير بشكل عام أن لا يخوض في بحر القضايا الخلافية التي لا يرى من ورائها فائدة علمية، أو عملية ذات قيمة [15].

ولعل في اقتصاد جوهري الشديد في المسائل الشرعية، والفقهية، واللغوية، والبلاغية، والقضايا الخلافية، وتوسعه الشديد في مقابل ذلك في القضايا العلمية والروحية، والمسائل الإصلاحية، دليلاً واضحاً على مدى انسجام منهجه في التفسير مع هدفه من هذا التفسير، أي اتخاذ التفسير منبراً عالياً لتبليغ مشروعه الإصلاحي لمسلمي عصره، ولا يهمه بعد ذلك، إذا لم يُعط التفسير حقه من التمحيص والتحقيق العلمي للمسائل التي يطرحها النصُّ القرآني نفسه سواءً على الصعيد العقدي أم على الصعيد التشريعي، أم لا.

ـ تظهر في التفسير مسحة صوفية شفافة، ونزعة خلقية راقية، التفت جوهري من خلالها للمعاني الروحية العميقة التي يتضمنها كتاب الله عزَّ وجلَّ، وقد عمل جوهري على استثمار هذه النزعة والفهم الصوفي الذي تقبله حدود اللغة العربية وحقل دلالتها، في سبيل تحريك طاقة المسلم نحو العمل، وحفزه إلى العلم، والسير في الأرض، وتحمل أعباء الإصلاح [16]، وهكذا فقد شكَّلت إشاراته الصوفية دافعاً إضافياً للعقل والجهد البشري للعمل في ميدان عمارة الأرض، وإصلاح أحوالها، بدل أن تكون ـ كما حدث على يد كثير من متصوفي عصره الذين انتقدهم بشدة ـ دعوة إلى استقالة العقل البشري، وتكبيل قدرة المسلم على العمل والإنجاز، والإخلاد والاستكانة لإكراهات الواقع وتصاريفه، باسم الدين ونصوصه [17].

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015