ـ[محبة القرآن]ــــــــ[25 Nov 2010, 05:06 م]ـ

التفسير العقدي لسورة الشرح

بقلم د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8))

* من مقاصد هذه السورة المباركة:

- بيان منة الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم -.

- وجوب شكر المنعم.

(ألم): هذا الاستفهام: استفهام تقريري، تقديره: "شرحنا لك صدرك"

(نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ): الشرح: هو التوسعة، كما قال الله - عز وجل -: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ)، وفي الآية الأخرى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ).

والمقصود بالشرح هنا، الشرح المعنوي، كما في الآيتين السابقتين.

ويحتمل أن يشمل الشرح الحسي، أي فلق ألأضلاع، كما في حادثة شق الصدر،

فقد روى ابن إسحاق، بسنده عن خالد بن معدان، عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم قالوا له: أخبرنا عن نفسك، قال: (نعم! أنا دعوة أبي إبراهيم، و بشرى عيسى عليهما السلام، و رأت أمي، حين حملت بي، أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا في ُبهمٍ لنا، أتاني رجلان، عليهما ثياب بيض، معهما طست من ذهب مملوء ثلجاً، فأضجعاني، فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي، فشقاه، فأخرجا منه علقة سوداء، فألقياها، ثم غسلا قلبي، وبطني، بذلك الثلج، حتى إذا أنقياه، رداه كما كان، ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمته، فوزنني بعشرة، فوزنتهم، ثم قال: زنه بمائة من أمته، فوزنني بمائة فوزنتهم، ثم قال: زنه بألف من أمته، فوزنني بألف، فوزنتهم، فقال: دعه عنك فلو وزنته بأمته لوزنهم). قال الحافظ ابن كثير في " البداية والنهاية " (2/ 275):"وهذا إسناد جيد قوي".

وروى مسلم، وأحمد، عن أنس أيضاً، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه جبريل و هو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، واستخرج القلب، و استخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه. و جاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني ظئره - فقالوا: إن محمداً قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: و قد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره).

لكن المقصود الأعظم: الشرح المعنوي؛ وذلك أن الله – تعالى – امتن على نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن جعل صدره متسعاً، أريحيا، مستوعباً لكل ما يرد عليه من أمور العلم، والإيمان، والأخلاق. وشرح الصدر أمر يتفاوت فيه الناس، فيقال: فلان ما أوسع صدره!، يعني يحتمل، ولا ينفعل. وفلان ضيق الصدر، لكونه سريع الانفعال، لا يصبر. فلنبينا - صلى الله عليه وسلم - من شرح الصدر، القدر الأعظم، الذي حصل به قبول خصال الإيمان، وإدراك العلم، والتحلي بالأخلاق الكريمة، التي وسع بها الناس، على اختلاف فئاتهم، وطبقاتهم.

(وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ): هذه المنة الثانية؛ أي: حططنا عنك وزرك. والوزر هو: الذنب، والإثم، وكل ما يهمه، ويغمه، ويثقله. والنبي صلى الله عليه وسلم بشر، يلحقه الذنب. فقد قال الله - تعالى - في سورة (الفتح): (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)، وقال في سورة (محمد): (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ). فالصحيح: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ربما وقع منه الخطأ، والذنب؛ وذلك لبشريته. وهكذا القول في جميع أنبياء الله.

لكن فرق ما بين الأنبياء، وغيرهم، من جهتين:

أولا: أن الله – تعالى - يغفر لهم الذنوب.

ثانيا: أن الله – تعالى - لا يقرهم على الخطأ.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015