ـ[محبة القرآن]ــــــــ[15 Sep 2010, 06:08 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
التفسير العقدي لجزء عم
سورة البلد (2)
د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20))
يقول الله - عز وجل - بعد أن بيَّن نعمه، وآلاءه، على ابن آدم، المتكبر، المتجبر، الذي يحسب أن لن يقدر عليه أحد، ويحسب أن لم يره أحد:
(فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (فلا) أي: فهلا (اقتحم) الاقتحام: هو مجاوزة الشيء بشدة، وسرعة.
(العقبة): العقبة في اللغة: الطريق الصعب، الوعر في الجبل. وعبور هذه العقبة يحتاج إلى شدة، وسرعة، ومضي، وتحامل على النفس. لأنه ليس طريقًا مفروشًا بالورود، والرياحين، بل فيه معاناة.
وقد فسرتها الآيات بعدها: (فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ). فالمراد باقتحام العقبة: القيام بالأعمال الصالحة، الشاقة على النفس. لأن القيام بهذه الأعمال يحتاج إلى مجاهدة، ويحتاج إلى مفارقة للشهوات، وتحامل على النفس، واطراح لشهواتها، فلذلك شبهه باقتحام العقبة.
وقد عظم الله - عز وجل - من شأنها فقال: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ) هذا الاستفهام للتعظيم، والتفخيم. ثم قال مبينًا لها (فَكُّ رَقَبَةٍ) أي: أن اقتحام العقبة يحصل بفعل هذه الأشياء:
(فَكُّ رَقَبَةٍ) فكها من الرق، وذلك بالعتق.
(أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ): (أو) للتنويع، (يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) يعني: في يوم شديد المجاعة، لأن الإطعام في يوم المجاعة ليس كالإطعام في غيره. حين تعم المجاعة يصبح لدى النفس شحًا مضاعفاً في المحافظة على ما تملك، خشية أن يلحقها ما لحق غيرها. فالذي يطعم في المسغبة، ليس كالذي يطعم في الوفرة. فالعمل، وإن كانت صورته واحدة، يتفاوت بتفاوت الأحوال. قال تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا). ثم بيَّن نوع المطعم، فقال:
(يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) وهذا يبين، أيضاً، أن الإطعام كما أنه يتفاوت من جهة الحال، يتفاوت من حيث المطعم، فيعظم الأجر بكون ذلك الإطعام ليتيم تربطك فيه صلة قرابة، أو مسكين أسكنته الفاقة.
واليتيم: من مات أبوه، ولم يبلغ الحلم. فإذا كان ذا مقربة زاد الثواب؛ لأن الصدقة على القريب، صدقة، وصلة. والأقربون أولى بالمعروف، وابدأ بنفسك ومن تعول. فهذا يدل على فضل النفقة على القريب المحتاج، وأنه يقدم على غيره، ولهذا سوغ العلماء إخراج الزكاة عن البلد لقريب في بلد أخر.
والمسكين: هو من أسكنته الحاجة، يعني: خفضته، فتجد الفقير، صاحب الحاجة، يشعر بالضعة، والانحطاط، بخلاف الغني، المكتفي، الذي يشعر بالزهو، والترفع.
واختلفت عبارات المفسرين في معنى متربة: فقيل أي: لصوق بالتراب، لشدة فقره، كما يقول الناس عن الفقير المدقع: ما عنده إلا التراب! لأنه لا يملك إلا أن يبحث في التراب. قال ابن عباس - رضي الله عنهما - هو المطروح على ظهر الطريق. وقيل في تفسير (المتربة) أي: شديد الحاجة. وقيل هو صاحب العيال، ولا مال. وهي معاني متقاربة.
(ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ): (ثم) هنا، لم يرد بها الترتيب الزمني؛ بل الترتيب الذكري. يعني: ليس معنى ذلك أنه صار من الذين آمنوا بعد أن اقتحم العقبة، بل المعنى: وكان مع ذلك (مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ).
(تواصوا): أي أوصى بعضهم بعضًا. والصبر في اللغة: معناه الحبس، وهو ثلاثة أنواع:
1 - صبر على طاعة الله، بالقيام بأوامره.
¥