ورحم الله (سيد قطب) الذي قال في ظلاله:

(وإني لأعجب لسذاجة المتحمسين لهذا القرآن، الذين يحاولون أن يضيفوا إليه ما ليس منه، وأن يحملوا عليه ما لم يقصد إليه وأن يستخرجوا منه جزئيات في علوم الطب والكيمياء والفلك وما إليها .. كأنما ليعظموها بهذا ويكبروه) ..

ـ[العليمى المصرى]ــــــــ[01 عز وجلec 2009, 03:17 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

رسم المصحف الشريف هو الأمر الذى أطال فيه الأخ جمال وحاول جاهدا أن يجرده من أى ميزة ربانية

وقد رد عليه أخونا الكريم البيراوى ردا علميا مقنعا ومصحوبا بالدليل

وقد سبق لى أن ناقشت مسألة رسم المصحف أكثر من مرة فى هذا الملتقى وفى أكثر من موضوع وأوردت الأدلة على توقيفية الرسم

ولهذا فلن أعيد ما سبق ذكره، ولكنى سأكتفى بذكر ملاحظات جديدة:

جاء فى القرآن الكريم أن الله عز وجل قد كتب بنفسه لموسى عليه السلام ما فى الألواح التى تلقاها منه عز وجل مباشرة ودون وسيط، قال تعالى:

" وكتبنا له فى الألواح من كل شىء موعظة وتفصيلا لكل شىء " 145 - الأعراف

ويقول العلامة الطاهر بن عاشور - رحمه الله - فى تفسير هذه الآية:

" وأسندت الكتابة إلى الله تعالى؛ لأنها كانت مكتوبة نقشاً في الحجر من غير فعل إنسان بل بمحض قدرة الله تعالى، كما يفهم من الإصحاح الثاني والثلاثين من سفر الخروج "

وقد جاء فى التوراة ذاتها ما يشهد للقرآن ويصدق له، حيث نجد فيها أن الألواح كانت مكتوبة بأصبع الله، وهو تعبير مجازى عن الكتابة الالهية للافادة بأنها كانت وحيا منه عز وجل فى الشكل والمضمون معا، والشكل هو ما نعنيه بالرسم

وكذلك ورد في التوراة في الإصحاح الرابع والثلاثين من سفر الخروج: «ثم قال الرب لموسى إنحت لك لوحين من حجر مثل الأولين فأكتُبُ أنا على اللوحين الكلمات التي كانت على اللوحين الأولين اللذين كسرتهما " فالذى يكتب هنا هو الله تبارك وتعالى، وهو يكتب بنفسه للمرة الثانية ناسخا اللوحين اللذين ألقاهما موسى فانكسرا، وعملية النسخ هذه قد أشار اليها القرآن أيضا فى الآية 154 من سورة الأعراف بقوله تعالى: " ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفى نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون "

فاذا كان هذا هو حال التوراة التى نتفق على أنها أقل من القرآن عصمة من التحريف والتبديل، فكيف يكون الحال مع القرآن الكريم الذى نتفق جميعا على كونه معصوما بالكلية من أدنى تحريف ولو فى الحرف الواحد منه؟!

لماذا نستبعد أن يكون شكل كل حرف من القرآن جاء منه تعالى دون أدنى تدخل من البشر أيا كانوا؟!

أليس من الجدير بنا أن ندعى للقرآن مثل ما يدعيه اليهود لتوراتهم على أقل تقدير؟

فكيف بنا ونحن مطالبون بتنزيه القرآن عن كل زيادة أو نقص حتى لو كان حرفا واحدا من قبيل حرف الألف فى (لاأذبحنه) على سبيل المثال

كيف نقول أنه حرف زائد قد وضعه الكتبة الأولى من تلقاء أنفسهم لاعتبارات تتعلق بالضبط أو غيره؟

ان محاولات التبرير هذه لن تعفي القائلين بها من القدح فى عصمة النص الكريم الذى أخبرنا الله عز وجل أن قد تكفل بحفظه

صحيح أننا لا نتهم هؤلاء القائلين بأنهم يتعمدون هذا القدح ونعلم أنهم لا يقصدون الى ذلك، ولكن اذا هم أصروا على ذلك يكونوا قد جعلوا القرآن أدنى منزلة من التوراة والانجيل فى عصمة نصه الشريف

وقد اضفت الأنجيل لأنه هو أيضا قد قيل فيه نفس ما قيل فى التوراة، حيث نجد فيه قولا على لسان السيد المسيح عليه السلام يقول فيه:

" السماء والأرض تزولان، ولكن لا يزول حرف واحد من الناموس "

ولفظ الناموس يعم التوراة والآنجيل معا لأن السيد المسيح قد قال أنه جاء ليكمل الناموس

وقد ظل هذا القول يمثل عقيدة ثابتة لدى اليهود ولدى النصارى على مر عصورهم ولا يزال كثيرا منهم الى يومنا هذا يؤمنون بالعصمة الحرفية لكتبهم المقدسة ويتشددون فى هذا الى أقصى حد

فاذا كانت هذه هى عقيدة أهل الكتاب فى عصمة كتابهم الى اليوم، فكيف بالله عليكم يأتى نفر منا ليقولوا بأن حروفا من القرآن قد زالت من رسم المصحف، ويعللون هذا بقواعد الكتابة وتطورها من الناحية التاريخية؟؟!!

وخلاصة القول: ان الله عز وجل حين أخبرنا بكفالته لحفظ كتابه المجيد فانه لم يخصص هذا الحفظ بالمضمون دون الشكل، وانما جعل الحفظ على اطلاقه ليشمل الاثنين معا ودون تفريق، ولعل مما يؤكد هذه الشمولية للأمرين معا أن الله عز وجل حين تحدث عن عصمة كتابه المجيد فانه قد اختار له لفظ (الذكر) تحديدا لأنه لفظ جامع يدل على الملفوظ والمكتوب معا، بخلاف لفظ (القرآن) الذى ينصرف الى المتلو أو الملفوظ فى المقام الأول، أو لفظ (الكتاب) الذى ينصرف - وعلى العكس - الى المكتوب بالدرجة الأولى، فهذا اللفظ (الذكر) يعبر عن الحفظ التام والشامل للمتلو والمكتوب معا

ولعل مما يؤيد ذلك أننا نجد لفظ الذكر يرد فى القرآن كثيرا بمعنى الكتاب أو المكتوب، ومن هذا قوله تعالى: " بل آتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون " 71 - المؤمنون

قال العلماء (بذكرهم) أى: بكتابهم وهو القرآن

ومنه كذلك قوله تعالى: " وقد آتيناك من لدنا ذكرا " 99 - طه، وقد جاء فى معجم ألفاظ القرآن الكريم أن " ذكرا " هنا بمعنى: كتابا، وأن هذا اللفظ قد ورد بهذا المعنى كذلك فى سورة الصافات فى الآيتين 3، 168 وفى الآية الخامسة من سورة المرسلات

وخلاصة القول: ان ما ندعيه للنص القرآنى لا يصح أن يكون أقل مما يدعيه اليهود والنصارى لكتبهم التى يقدسونها، فان كانوا هم يذهبون الى أن حرفا واحدا من كتبهم لم يتغير أو يزول أو يناله التحريف، فما بال البعض منا يأتى اليوم ليقول ان حروفا من نص القرآن تنقص من رسمه أو تزاد عليه؟!!

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015