ـ[جمال السبني]ــــــــ[24 Nov 2009, 08:42 م]ـ

1. جاء في مناهل العرفان للزرقاني حول رسم المصحف:" للعلماء في رسم المصحف آراء ثلاثة: الرأي الأول: أنه توقيفي لا تجوز مخالفته، وذلك مذهب الجمهور .... "انتهى. وعندما ننظر في أدلة الجمهور التي تنقلها كتب علوم القرآن ندرك أنهم لا يقولون فقط بوجوب الالتزام بالرسم، بل يُصرّحون أن ليس للصحابة في رسم المصحف دور. وليس هذا مقام الاستفاضة بتقديم الأدلة، فقد طال الخوض في هذه المسألة في مداخلات كثيرة سابقة.

7. عندما أملى الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن على المتقنين من الكتبة أقرّهم على اصطلاح العرب في الكتابة. وظواهر الرسم العثماني تدل على أنه عليه السلام لم يقرهم في مواضع كثيرة على اصطلاحهم في الكتابة. ونقول ذلك لعلمنا يقيناً أنهم رضي الله عنهم كانوا أشد الناس اتباعاً وأبعدهم عن الابتداع. وإلا فلماذا، مثلاً، يكتبون كلمة شيء هكذا (شيء) في 201 موضع في المصحف، ثم هم يكتبون في الآية 23 من سورة الكهف هكذا: (لشاىء). والأمثلة على ذلك كثيرة تؤكد استحالة أن يكون ذلك عن هوى أو خطأ. وإذا أفلح البعض أن يرجع ذلك إلى تعدد القراءات فماذا يقول في الرسم الذي لا علاقة له بالقراءة ككلمة (لأاذبحنه) وكلمة (بأييد) وكلمة (قرءنا) في موضعين ... ألخ. إذن هناك إقرار وهناك عدم إقرار، وعليه يكون كله توقيفي من جهة الإقرار ومن جهة عدم الإقرار.

دعونا نناقش القول بتوقيفية رسم المصحف، أو نفهمه على الأقل:

كيف تمت عملية التوقيف هذه؟

التوقيف هو إما (نص من الكتاب أو السنة أو كليهما)، أو دليل شرعي مستنبَط بوجه من وجوه الاستنباط ..

بالنسبة للصحابة كان التوقيف هو أن يرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم، أو ما ينزل من الوحي وما يأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم وما ينهاهم عنه ..

وفيما يخص مسألة كتابة القرآن ورسم الآيات، لا يمكن لأحد أن يقول إن النبي أرشدهم إلى كيفية الكتابة أو حتى أن يقول أقرّهم على كيفية ما، فالنبي صلى الله عليه وسلم كما نعلم جميعا كان أميا لا يقرأ ولا يكتب (حتى لو كان كتب وقرأ شيئا يسيرا في أواخر عمره المبارك، على ما رآه البعض من العلماء وما يمكن فهمه من بعض الآثار والروايات)، فإذا كان لا يقرأ ولا يكتب فكيف يمكنه أن يوجههم بشيء أو حتى أن يقرّهم على شيء، اللهم إلا أن يُقال إنه صلى الله عليه وسلم أقرّهم على ما يحسنونه هم من الكتابة، إقرارا عاما .. وهذا لا يفيد شيئا في مجال الجزئيات ..

إذن فلم يقع (توقيف) في كتابة الآيات، وكل صحابي من كَتَبة النبي صلى الله عليه وسلم قد كتب ما كتب بناء على معرفته بالكتابة وعلى ما تعارف الناس عليه من الكتابة العربية في تلك المرحلة .. ولا يمكنني أن أفهم ـ مجرد الفهم ـ كيف يحدث توقيف الصحابة على كيفية رسم الكلمات .. كيف وبأية آلية من آليات التوقيف؟

ولا يمكن أن نقول إن النبي صلى الله عليه وسلم شرح لهم كيفية كتابة بعض الكلمات والحروف وهو في الوقت نفسه لا يقرأ ولا يكتب .. ولا يمكن أيضا أن نقول إن جبريل عليه السلام كان يأتي بالآيات النازلة مكتوبة وأن الصحابة اطلعوا على نماذج من ذلك!! وهذا أيضا خيال مفترَض، ولماذا كان للنبي صلى الله عليه وسلم كتبة (حوالي ثلاثين!) إذا كانت الآيات تنزل مكتوبة؟!

هذا إذا كان (توقيفي) بمعنى أنه إلهي وجاء من الله ..

وأما إذا كان (توقيفي) مصطلحا ضبابيا بمعنى (لا يمكن التغيير فيه) أو (يجب التمسك به) أو (يجب أن يُحافَظ عليه) فهذا ليس محل المناقشة والاعتراض .. أي لا يفيد شيئا لمن يريد أن يجعل الرسم أساسا لموضوع الإعجاز العددي ..

ويمكن أن نطالب الذين قالوا بتوقيفية رسم المصحف بدليل نصي من الكتاب أو السنة أو حتى آثار الصحابة .. وإذا لم يستطيعوا أن يأتوا بدليل، فنحن نقول: لا توقيف في توقيفية رسم المصحف!!

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015