ـ[بكر الجازي]ــــــــ[15 Oct 2009, 07:00 م]ـ

الأخ الكريم أبا عمرو:

1. إذا كان ترتيب سورة النحل في المصحف هو 16 فلا بد أن يكون ذلك مرادا لله تعالى. أما أن يكون المقصود الكروموسومات فهذا لا نجزم به ولكن نلاحظه. أما مقاصد البشر في نصوصهم النثرية والشعرية فيعلنون عنها. وإذا ادخروا فيها سراً يعلنون عن ذلك. وإلا فالبحث عن مصادفات عدديه هو أمر عبثي.

وكذلك أصحاب التفسيرات الباطنية يلاحظون أشياء تنقدح لهم، ولهم غرائب في التأويل أقل ما يقال فيها إنهم لاحظوا هذه الأشياء، وليس الذي ينصرف عن تدبر كلام الشارع في سورة النحل إلى كروموسومات النحل بأقل إغراباً!!!

ولنا أن نقول لكم: إن البحث عن مصادفات عددية أمر عبثي سواء أكان في كلام الناس أم في كلام الشارع، فأنتم تحملون كلام الله ما لا يحتمل.

2. أكثرتَ من الكلام عن الشعر وما فيه من نظام فاصطرني ذلك إلى مراجعة مداخلتك فدهشت من تهافت ما أتيتَ به فاكتفيتُ بقراءة أسطر قليلة، فتحققت أن خلافنا معك هو خلاف في منهج البحث والتفكير. وإليك عبثية الاستهلال في مثالك،:

تقول: ((عَدَدُ حروفِ كلمةِ "الحديدا" هو سبعة (7)، وعَدَدُ كلماتِ البيتِ باستثناءِ كلمةِ "الحديدا" هو ثماني كلمات (8)) لاحظ أنك استثنيت كلمة الحديد من أجل أن تصل إلى مرادك العبثي.

لا يحق لك أن تحكم على النية، فأمر المصادفة واضح أمامك، وليس بأقل من تكلفاتكم.

ويكفي أن أقول لك: إنني لاحظت أن هذه المصادفة تحصل في البيت بحذف كلمة "الحديدا".

المهم وجود المصادفة، أو التوافق العددي ...

ثم انظر إلى أن تعداد كلمات الأبيات الثلاثة = 26. بدون تكلف، على خلاف التكلف في كلام الدكتور النجار لما كان رقم الآية التي ورد فيها ذكر الحديد هو 25، اضطر إلى أن يضيف البسملة إلى تعداد الآيات، مع أن المصاحف التي بين أيدينا لا تعد البسملة إلا في الفاتحة، ثم لما كان ترتيب سورة الحديد في المصحف هو 57، اضطر إلى حذف الفاتحة من التعداد بحجة أنها أم الكتاب.

صحيح أنك استدركت على الدكتور زغلول فيما ذهب إليه، ولكن هذا لا يمنع أصل الاستدلال، ولا بأس لو وجدت شيئاً من التكلف فيما أوردنا فاستدركته علينا، فأنا لا زلت حديث عهد بلعبة الأعداد، أما أنتم أخي الكريم أو الأستاذ جلغوم فأظن أن بإمكانكم أن تبدعوا في أمر كهذا إذا ما أخذتموه على محمل الجد، ولا يجوز أن يكون كون هذا الكلام شعراً أو نثراً حائلاً بينكم وبين النظر فيه. ولو أنكم تتصورون المسألة حق تصورها لما أحجمتم عن النظر في شعر العرب، فلعلكم تعيدون النظر في هذا فتستدركوا ما فاتكم فيه، إذ لا فرق بين كتاب الله وكلام البشر من حيث إمكان العثور على توافقات عددية عجيبة فيه. الأمر بحاجة فقط إلى شيء من الخبرة.

وتقول: ((بل هناك شيء أعجب من هذا: جمل كلمة "ذوبان" هو ..... 759. عدد المرات التي ورد فيها ذكر معنى الذوبان "تذيبنا + نذيب" ...... )) الشيء العجيب هنا أنك لم تأخذ جمل تذيبنا ونذيب الواردة في البيت وإنما أخذت كلمة الذوبان أي تعاملت بالمعنى ولم تتعامل مع اللفظ. ثم ضربت الذوبان في اثنين!!!

ثم تقول: ((عدد حروف "نحن قوم تذيبنا الأعين")) ولم تكمل شطر البيت!!

أستطيع أن أحل لك ذلك بشيء من التعليل، فنقول لما ورد الذوبان واقعاً على الحديد مرة، وعلى البشر مرة أخرى، أخذنا المصدر "ذوبان". وضربناه باثنين لأن معنى الذوبان تكرر مرتين. فلذلك تعاملنا مع المعنى ولم نتعامل مع اللفظ.

وأما أننا عددنا فقط "نحن قوم تذيبنا الأعين" فلأن هذا تمام جملة مفيدة ورد فيه الذوبان.

ولعلك تستطيع أن تعلل هذا الأمر على وجه هو أتم وأحسن، فلا بأس لو أعنتنا أو غيرك من الأخوة ممن لهم في هذا الباب دربة ومران.

ثم ألم تنظر إلى حال نفسك – أخي الكريم- كيف عللت دلالة ترتيب سورة النحل على كروموسومات ذكر النحل دون أنثى النحل بأن وحدة البناء في السورة هي 16؟! وكان هذا عندما زعمت أن لتأنيث النحل سراً أبعد من مجرد جواز التأنيث، وإنما هو للدلالة على أن الأنثى هي التي تصنع العسل. فقلنا لك: فلم لم يكن ترتيب سورة النحل هو 32 حتى يستقيم لك أمر التعداد بدون تكلف؟!

ما شأننا بوحدة البناء؟!

بل من أين لك هذا المصطلح الذي ما وضعته إلا ليستقيم لك مدعاك (العبثي)؟!

بالله عليك كيف يمكنني بعد ذلك أن أصبر على قراءة المثال بكامله؟!!

بارك الله فيك ...

ولي أن أقول: فكيف بي وقد تجشمت عناء العد، والضرب والطرح والقسمة؟!

ثم لا تصبر بعد ذلك على قراءة مثالي؟!

فكيف ونحن نصبر على ما توردونه مما نجزم ببطلانه، ونبذل وسعنا في بيان حجتنا على بطلان ما تدعون؟!

إنما كان القصد لفت نظركم إلى إمكان العثور على توافقات عددية في كلام البشر، وهذا البيت من الشعر كان مفتاحاً لدخول هذا الباب، والأصل وأنتم تتجشمون عناء عد آلاف الآيات والحروف في القرآن أن تكونوا أكثر صبراً ...

ويبقى الأمر بعد ذلك مرهوناً بالقدرة على التلاعب بالأرقام جمعاً وطرحاً وضرباً وقسمة، ولا شك أن المتخصصين في هذا الباب أقدر مني على هذه اللعبة، فنترك لهم أمرها بعد أن ندلهم على إمكانها، ولعلكم تستطيعون بعد ذلك إدخال العلميات الحسابية المعقدة إلى هذا الفن، كالدوال المثلثية (جا، جتا، ظا، قا، قتا ... إلخ) والجذور التربيعية والتكعيبية، وأصول التفاضل والتكامل والاشتقاق، وحل المعادلات التفاضلية، والمصفوفات والمتتابعات والمتواليات الهندسية .... إلخ.

أصدقك أنني لا أسخر، بل هذا ممكن على مذهبكم، ولا تستطيعون إنكاره، وليس كلام العرب من حيث إمكان العثور على مصادفات فيه بأقل من كلام الله.

فإما أن تأخذوا الأمرين معاً، وإما أن تتركوهما معاً ...

وبارك الله فيك ...

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015