وكذلك مسألة الحديد في بيت الشعر، ومسألة الذباب في شعر عنترة العبسي، والناقة في شعر امريء القيس ما يدريك أن وراءها أسراراً عجيبة أكبر مما تتخيل!

ما عليك إلا أن تحاول ...

أما أن اللغة اصطلاح أو توقيف، فليس هذا محل بحثنا، محل البحث أن أسماء هذه العناصر كانت معروفة للعرب قبل نزول القرآن، فلا وجه لجعل حساب الجمل خاصاً بالقرآن دون لسان العرب.

5. كل ما هو موجود في القرآن الكريم هو مراد لله تعالى على خلاف كلام البشر، وبالتالي لا يجوز أن نهمل أية ملاحظة تتعلق بكتاب الله المعجز. ولا أظنك تزعم أن كون ترتيب سورة الحديد الذي يوافق الجُمّل والوزن الذري غير مراد لله تعالى. وأقبلُ هذا الزعم من غير مسلم. أما المسلم فيعلم أنه كتاب لا تنقضي عجائبه، وبالتالي لا يهمل أية ملاحظة.

وهذا مسلك ضعيف، إذ لا زلت تقع في نفس المصادرة!!

أخي الكريم:

إن كنت تسمي ما في القرآن من توافقات عددية إعجازاً، فأنا أسمي ما ورد في بيت الشعر إعجازاً، أو دليلاً على بطلان زعمكم تفرد القرآن بالتوافقات العددية العجيبة.

وإن سميتَه توافقاً عددياً عجيباً، فأنا أسمي ما ورد في بيت الشعر توافقاً عددياً عجيباً، فلا يتميز ما تزعمونه من توافق في القرآن عما أزعمه من توافق في شعر العرب.

ثم ما الذي تريدونه من إثبات هذه التوافقات العددية في القرآن؟!

إذا كان المقصود بذلك الاستدلال على أن القرآن من عند الله، فما ينبغي لك أن تقول هذا مراد في القرآن على خلاف كلام البشر، لأنك لم تثبت بعد أنه كلام الله.

وإن كان المقصود لفت النظر إلى هذه التوافقات العددية، فاقبلوا من أن نلفت أنظاركم إلى هذه التوافقات في أشعار العرب.

وأخيراً: نريد منك دليلاً على دعواك أن ترتيب سورة الحديد الذي يوافق الجُمّل والوزن الذري مراد لله تعالى!

ولا يشفع لك أن هذا هو الواقع، فإنه أيضاً في كلام العرب واقع، فلم لا يكون مراداً للشاعر؟!

ولا حاجة بنا إلى عجيبة لم يستطع أصحابها أن يقيموا عليها دليلاً واحداً ....

6. لم يتوقف الأمر في سورة النحل على ترتيب السورة في المصحف بل هناك ملاحظات عديدة تتعلق بالعدد 16. أما لماذا 16 وليس 32 (الأنثى) فلأن وحدة البناء في النحل هو العدد 16 ومضاعفاته. وذكرنا النمل والعنكبوت ولم نذكر البقرة، لأن الجامع الذي يجمع السور الثلاث كونها حشرات فلماذا نحشر معها الفيل والبقرة؟! ولكن لكل سورة نظامها العددي.

ولماذا لا تكون وحدة البناء في النحل العدد 32 وقواسمه؟!

ولا سيما أنك تزعم أن وراء التأنيث سراً، هو أن القرآن أشار إلى أن الأنثى هي التي تنتج العسل ...

فكان الأولى أن تجتمع هذه التوافقات بأن يكون ترتيب السورة موافقاً لعدد كروموسومات أنثى النحل؟!

ثم ما يمنع أن تجمع إليها سورة البقرة وسورة الإنسان لاشتراك هذه جميعاً في الحيوانية، فإن كان لديك دليل على أن كونها حشرات معتبر فهاته ...

إما دعواكم أن لكل سورة نظامها العددي فلنا أن نقول في مقابل ذلك إنها ذريعة تتهربون بها من ذكر قاعدة عامة معتبرة فيما تذهبون إليه من التعداد.

ولنا أن نقول أيضاً: تأملوا شعر العرب، وانظروا فيه، فلكل قصيدة فيه نظامها العددي، وتأملوا شعر الجاهليين بيتاً بيتاً، لأن وحدة البناء في القصيدة الجاهلية عند أهل الأدب هي البيت، ولكل بيت من شعر الجاهليين نظامه العددي الخاص.

7. كلما زادت الملاحظات بَعُدَ أن يكون الأمر من قبيل المصادفة (ولا يوجد في كتاب الله مصادفات بل كله يراد). فكيف بنا والملاحظات لدينا تتوارد وتتواتر كلما بحثنا، وهي الآن تتجاوز المئات. ولا شك أن القانون الجامع يأتي بعد جمع أكبر عدد ممكن من الملاحظات، وهذا هو المنطق السوي في منهجية البحث. وكما تلاحظ فقد سمى الشيخ بسام كتابه"إرهاصات الإعجاز العددي". فهو يعتبر أن هذه مقدمات ترهص بوجود الإعجاز العددي. وله كتاب في عنوانه:" مقدمات تنتظر النتائج". فهل تقترح علينا أن نهمل هذه الملاحظات ولا نتابع البحث حتى لا نضيع وقتنا!! وهل ترى أن إثبات وجود وجه ومن وجوه الإعجاز القرآني لا يدخل في باب الهداية؟! إذا كان الأمر كذلك فلماذا بحث الإعجاز البلاغي، والغيبي، والتشريعي .. ؟!

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015