ومثاله فيما يتعلق بكتاب الله تعالى، أن يتوهم واهم تناقض القرآن وتكذيب بعضه بعضاً حين يقول: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (النساء: الآية79}، ويقول في موضع آخر: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) (النساء: الآية78)

ومثاله فيما يتعلق برسول الله، أن يتوهم واهم من قوله تعالى:) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (يونس:94) ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شاكًّا فيما أنزل إليه.

موقف الراسخين في العلم

والزائغين من المتشابه

إن موقف الراسخين في العلم من المتشابه وموقف الزائغين منه بينه الله تعالى فقال في الزائغين: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) (آل عمران: الآية7)}، وقال في الراسخين في العلم: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) (آل عمران: الآية7) فالزائغون يتخذون من هذه الآيات المشتبهات وسيلة للطعن في كتاب الله، وفتنة الناس عنه، وتأويله لغير ما أراد الله تعالى به، فَيضِلون، ويُضِلونَ.

وأما الراسخون في العلم، فيؤمنون بأن ما جاء في كتاب الله تعالى فهو حق، وليس فيه اختلاف، ولا تناقض؛ لأنه من عند الله: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء: الآية82) وما جاء مشتبهاً ردوه إلى المحكم؛ ليكون الجميع محكماً.

ويقولون في المثال الأول: إن لله تعالى يدين حقيقيتين على ما يليق بجلاله وعظمته، لا تماثلان أيدي المخلوقين، كما أن له ذاتاً لا تماثل ذوات المخلوقين؛ لأن الله تعالى يقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: الآية11).

ويقولون في المثال الثاني: إن الحسنة والسيئة كلتاهما بتقدير الله، لكن الحسنة سببها التفضل من الله تعالى على عباده، أما السيئة فسببها فعل العبد كما قال تعالى:) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30) فإضافة السيئة إلى العبد من إضافة الشيء إلى سببه، لا من إضافته إلى مُقَدِّره، أما إضافة الحسنة والسيئة إلى الله تعالى فمن باب إضافة الشيء إلى مقدره، وبهذا يزول ما يوهم الاختلاف بين الآيتين لانفكاك الجهة

ويقولون في المثال الثالث: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقع منه شكٌّ فيما أنزل إليه، بل هو أعلم الناس به، وأقواهم يقيناً كما قال الله تعالى في نفس السورة: {) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) (يونس: الآية104)}، المعنى إن كنتم في شكٍّ منه فأنا على يقين منه، ولهذا لا أعبد الذين تعبدون من دون الله، بل أكفر بهم وأعبد الله.

ولا يلزم من قوله: {) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ) (يونس: الآية94)} أن يكون الشكُّ جائزاً على الرسول صلى الله عليه وسلم، أو واقعاً منه ألا ترى قوله تعالى:) قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) (الزخرف:81) هل يلزم منه أن يكون الولد جائزاً على الله تعالى أو حاصلاً؟ كلَّا، فهذا لم يكنْ حاصلاً، ولا جائزاً على الله تعالى، قال الله تعالى:) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) (مريم:92)) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً) (مريم:93)

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015