قلت: لأن الله لم يأمره بالدعوة للإرشاد إلا إذا سئل منه ذلك لحكمة كما علمت آنفا، فأقامه الله مقام المفتي والمرشد لمن استرشد لا مقام المحتسب المغير للمنكر، و " الله أعلم حيث يجعل رسالاته "، فلما أقامه الله كذلك وعلم يوسف من قول الملك إنك اليوم لدينا مكين أمين أن الملك لا يريد إلا تدبير مملكته وأمواله، لم يسأله أكثر مما يفي له بذلك. وأما وجوب طلبهم المعرفة والاسترشاد منه فذلك حق عليهم، فمعنى فما زلتم في شك مما جاءكم به الإنحاء على أسلافهم في قلة الاهتمام بالبحث عن الكمال الأعلى وهو الكمال النفساني باتباع الدين القويم، أي فما زال أسلافكم يشعرون بأن يوسف على أمر عظيم من الهدى غير مألوف لهم ويهرعون إليه في مهماتهم ثم لا تعزم نفوسهم على أن يطلبوا منه الإرشاد في أمور الدين. فهم من أمره في حالة شك، أي كان حاصل ما بلغوا إليه في شأنه أنهم في شك مما يكشف لهم عن واجبهم نحوه فانقضت مدة حياة يوسف بينهم وهم في شك من الأمر.

[ص: 140] فالملام متوجه عليهم لتقصيرهم في طلب ما ينجيهم بعد الموت قال تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها الآيتين.

و (حتى) للغاية وغايتها هو مضمون الجملة التي بعدها وهي جملة (إذا هلك)، وإذا هنا اسم لزمان المضي مجرورة ب (حتى) وليست بظرف، أي حتى زمن هلاك يوسف قلتم: لن يبعث الله من بعده رسولا، أي قال أسلافكم في وقت وفاة يوسف: لا يبعث الله في المستقبل أبدا رسولا بعد يوسف، يعنون: أنا كنا مترددين في الإيمان بيوسف فقد استرحنا من التردد فإنه لا يجيء من يدعي الرسالة عن الله من بعده، وهذا قول جرى منهم على عادة المعاندين والمقاومين لأهل الإصلاح والفضل أن يعترفوا بفضلهم بعد الموت تندما على ما فاتهم من خير كانوا يدعونهم إليه.

وفيه ضرب من المبالغة في الكمال في عصره كما يقال: خاتمة المحققين، وبقية الصالحين، ومن لا يأتي الزمان بمثله، وحاصله أنهم كانوا في شك من بعثة رسول واحد، وأنهم أيقنوا أن من يدعي الرسالة بعده كاذب فلذلك كذبوا موسى.

ومقالتهم هذه لا تقتضي أنهم كانوا يؤمنون بأنه رسول ضرورة أنهم كانوا في شك من ذلك وإنما أرادوا بها قطع هذا الاحتمال في المستقبل وكشف الشك عن نفوسهم، وظاهر هذه الآية أن يوسف كان رسولا لظاهر قوله قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا أن رسولا حال من ضمير (من بعده)، والوجه أن يكون قوله (رسولا) مفعول (يبعث) وأنه لا يقتضي وصف يوسف به فإنه لم يرد في الأخبار عده في الرسل ولا أنه دعا إلى دين في مصر وكيف والله يقول ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله ولا شك في أنه نبيء إذا وجد مساغا للإرشاد أظهره كقوله يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان وقوله إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ".

وأما موسى عليه السلام فرسالته إلى فرعون رسالة خاصة فرضتها طبيعة الأمور لغرض خاص وهو إطلاق بني إسرائيل من العبودية، أما الشريعة فقد كانت خاصة ببني إسرائيل والدليل على ذلك أن الشريعة لم يوح بها إليه إلا بعد خروج بني إسرائيل من مصر.

أما أصحاب الأيكة فالصحيح من الأقوال أنهم هم قوم شعيب أنفسهم.

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[21 Sep 2009, 02:14 م]ـ

الأخوة الكرام،

5. جيد أن نلفت انتباه الأخوة الكرام إلى أن القرآن الكريم لم يشر اطلاقاً إلى علاقة سليمان عليه السلام ببني إسرائيل.

.

أخي الكريم أقول:

بل أشار القرآن إلى أن سليمان من بني إسرائيل وتأمل قول الله تبارك وتعالى في سورة البقرة:

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (البقرة: 246)

ثم قال:

(فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة: 251)

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[21 Sep 2009, 02:24 م]ـ

أحسنت أخى حجازى الهوى فى مداخلتك الأخيرة ............

أرجو أن أكون قد أفدت كما استفدت، عيدكم مبارك، والسلام عليكم

وعليكم السلام، وعيدكم مبارك،وأحسن الله إليك، وشكرا لك إفادتك ومداخلتك.

وأنا عندما طرحت الأسئلة كان الغرض التنبيه إلى أن القرآن أغفل الأمور التي لا تصب في بيان الغرض التي سيقت من أجله الآيات وهو بيان فضل الله العظيم على داود وسليمان عليهما السلام وكيف كان تصرفهما تجاه ذالك الفضل المبين.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015