4. نحن عرفنا أن تعاقب الليل والنهار بسبب دوران الأرض حول محورها، لا بسبب دوران الشمس حول الأرض بأدلة العقل، وليس من الآية.

والحديث يا أستاذ حسن لم يكن على الإعجاز العلمي أو غيره، وإنما هو من باب التماس العذر للشيخ ابن عثيمين أو القرطبي رحمهما الله، فإن ما يفهم من ظاهر الآية أن الشمس هي التي تتحرك، ونحن إنما صرفنا الآية عن ظاهرها لمعارضة ما ظهر لأدلة العقل.

وأنظر أخي الكريم إلى المثل الذي وعدتك به، وأذكرك بقولي السابق: يكفي لتقعيد مسألة الإعجاز العلمي وجود دليل واحد عليه في القرآن الكريم

تأمّل أخي الحبيب قول الله تعالى:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) (الحج:73) فهل لو سلبت الذبابة شيئا من الإنسان واستخدم الوسائل المتطورة في قتل الذباب يستطيع أن يسترجعه منه، ولو حصل ذلك لانتفى الدين بكلّيته، وهذا لن يكون بفضل الله تعالى.

تأمّل أخي الحبيب بلاغة البيان في هذه الآية الكريمة، في هذا العصر وبعد تطور أساليب الجراحة المكرسكوبية توصّل العلماء إلى البرهان الجلي والحجّة البالغة في دقة وصف الآية الكريمة.

فالذباب لا يملك معدة يهضم بها طعامه، بل يخرج العصارة الهاضمة إلى خارج جسده فيضعها على الطعام الذي يأكله، ثم يهضم الطعام خارج جسم الذباب، وبعد ذلك يمتصّه الذباب مهضوما جاهزا ليتوجه هذا الطعام إلى كافة أنحاء الجسم، وهذا أمر يستحيل على البشر أو أي مخلوق أن يعيد الشيء المهضوم الذي امتصّه الذباب فتحول جزء منه إلى طاقة لتحريك الجناحين ....

فحينما يتوصل العلماء بالبحث إلى هذه النتيجة في أن الذباب ليست له معدة لهضم الطعام وأنه يهضمه خارج جسده ثم يمتصّه، ألا نقول له بأن القرآن الكريم أشار صراحة إلى أن الذباب إذا سلب من الإنسان شيئا لا يمكن لمخلوق أن يرجعه. ألا يكون ذلك دليل على أن القرآن الكريم يتكلم بالصدق والحق.

سمّه ما شئت إعجاز علمي، أو بيان علمي، أو أوجه العلوم في القرآن الكريم، أو الأدلة العلمية على صدق كتاب رب العالمين ..... لكن لا تأخذ على أحد سمّاه إعجازا علميا، لأن الله سبحانه وتعالى تحدى الجن والإنس (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الاسراء:88)، والمثلية كاملة أي بكل محتواه من بلاغة وتشريع وعلوم وإخبار بالغيب .... وتحداهم الله بأن يأتوا ببعض ما في القرآن الكريم (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:23) فقوله تعالى: (من مثله) تدل على التبعيض أي لا يستطيعون أن يأتوا بشيء مما يحويه القرآن الكريم، ومن هذه الأمور الدلالات العلمية، لذلك لا أرى ما نعا من تسميته بالإعجاز العلمي.

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه واهدنا إلى سواء السبيل

والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا ونبض قلوبنا محمد صلى الله عليه وسلم

بل نفهم منها ما فهم العرب الأولون من أن الذباب لو سلبهم شيئاً مما يعلق به لم يستطيعوا أن يستنقذوه منه، وهذا من باب ضرب المثل حتى يكون أقرب لأفهام العرب الأولين، ولا يعنينا بعد ذلك إن كان للذباب معدة أم لا ...

للعلماء المحدثين أن يكتشفوا ما استطاعوا من أسرار الذباب والعنكبوت والبعوض والنحل وغيرها ...

أما أن يقولوا إن الآيات دالة على هذه الحقائق فهذا ما لا نزال نطالبهم به ...

هذا يا أخي تكلف في تحميل الآية ما لا تحتمل.

ولي أن أقول - على سبيل المعارضة- إن في قول الشاعر:

فدع الوعيد فما وعيدك ضائري ... أطنين أجنحة الذباب يضير

أشارة إلى دور الأصوات في إرهاب الخصم، وأن الصوت العالي مما يدخل الرعب في قلب الخصوم، ثم ندخل في دراسة لعلوم الصوتيات، ونزعم أن كل ما توصل إليه العلم الحديث في باب الصوتيات مختصر في هذا البيت من الشعر، ثم نبين مقدار مستوى صوت الطنين في أجنحة الذباب ( عز وجلصلى الله عليه وسلمCIرضي الله عنهصلى الله عليه وسلمL)، ونبين أنه خافت جداً بحيث لا يكاد يسمع فكيف يخيف؟

هذه الحقائق – طبعاً – لم تكن معروفة للناس عندما سمعوا البيت ...

فيكون هذا إعجازاً علمياً!!!

ولعل في قول عنترة العبسي:

وخلا الذباب بها فليس ببارح ... هزجاً كفعل الشارب المترنم

هزجاً يحك ذراعه بذراعه ... فعل المكب على الزناد الأجذم

إشارة إلى ارتباط حك الذباب ذراعه بذراعه بحالة من الهزح عند الذباب، ولا مانع من إجراء دراسة لإثبات صدق هذا، وأصدقك إذ أقول إن هذا ليس بالأمر العسير ...

وهكذا نتوسع في فهم الكلام كما يحلو لنا ونحمله ما لا يحتمل ...

فانظر ماذا جنينا على اللغة وعلى البلاغة إذا ما قبلنا بتوهمات كهذه في كتاب الله ....

أفليس من الأولى إذن تنزيه القرآن عن مثل هذه التوهمات والتحكمات؟؟؟!!!

وبارك الله فيك ...

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015