يُدركَكَ الموتُ أو تُقتَلَ بيد الأعداءِ.

ومنها الدعاء المأثور (الله متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا، واجعل الوارث منا)، فقوله: واجعله الوارث منا لا يُتَصَوَّرُ وقوعُه، إذ لا يعقل أن يرثك سمعك وبصرك، ولكن المقصود ألا يفارقك سمعك ولا بصرك ولا شيء من قوتك حياتَك كلها. فهو مثل يضرب في الدعوة بديمومة الحواس والقوات، فتدعو لنفسك بأن ترثك.

هكذا إذن نفهمُ قولَه تعالى ?كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء? على معهود العربِ الأوَّلين الذين نزل القرآنُ بلسانهم، فنقولُ: لمّا كانَ الصُّعودُ إلى السَّماءِ غيرَ مقدورٍ لِلمُكَلَّفِ، وتكليفاً بما لا يُطاقُ، شبّهَ القرآنُ ضيقَ صدرِ الكافرِ، وحَرَجَه بالإسلامِ، وبدعوةِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بمن يصَّعَّدُ في السماءِ، أي بمن يَتَكَلَّفُ ما لا طاقةَ له به، أي إنَّك إذ تطلبُ إلى الكافرِ أن يؤمنَ باللهِ وبالإسلامِ تُكَلِّفُه ما لا طاقةَ له به، فكأنّما هو يَتَرَقَّى في السماءِ نبوّاً عن قبولِ الإسلامِ، واستكباراً، أو نفهمُها على الوجهِ الثاني الذي أشارَ إليه الإمامُ الرازيُّ بمعنى بعدِ الكافرِ عن الإسلامِ كبعدِ الأرضِ عن السماءِ، فهو يضيقُ صدرُه بالإسلامِ، وينبو عن قبولِه، ويَتَحَرَّجُ به، إذ ليس في صدرِه مكان للإسلامِ، فمثلُه في تَكَلُّفِه ما لا يطاقُ مثلُ الذي يُكلَّفُ الصعودَ في السماءِ.

وهذا كافٍ في بيان معنى الآية على معهود العرب الأولين، ويكون زعم من زعم أن الأولين لم يعرفوا لها معنىً، أو لجؤوا إلى تأويلِها لأنهم عجزوا عن تصوُّرِ ما جاءت به زعماً عارياً عن الصحة، ولا نصيب له من الحق.

ويبقى أن نتدارس ما أشار إليه الأخ محمد الأمين من أن الوجه القديم في تفسير الآية كان على معهود العرب الأولين، وما كشف عنه العلم الحديث لا يعارضُ الوجه القديم، وقال إنَّ هذا الوجه الجديد مما تحتمله اللغة، وتقبلُه العادة، وما كان كذلك فلا مجال لإنكاره، وللأخ العليمي المصري كلام على هذا المعنى، ولعلي أصوغ ما أشار إليه الأخوان محمد الأمين والعليمي بأن يقال: ما المانعُ من أن يكونَ العربُ قد فهموها على معروفِهم ومعهودِهم، أو فهموا منها ما قدروا على فهمِه، من أنها بمعنى التكليفِ بما لا يُطاقُ، أو بعدِ الكافرِ من الإسلامِ كبعدِ الأرضِ عن السماءِ، أو نُبُوِّ الكافر عن قبول الإسلام وضجره به حتى كأنه يتصعد في السماء، ثمَّ لمّا جاءَ العلمُ الحديثُ كشفَ لنا عن معنىً آخرَ في تفسيرِ هذه الآيةِ، والذي هو ضيقُ الصَّدرِ وحرجُه بسَبَبِ نقصانِ الأكسجينِ عند الصُّعودِ إلى طبقاتِ الجوِّ العُليا. وبالتالي يكونُ لدينا وجهانِ محتملانِ في تفسيرِ الآيةِ:

1. الوجهُ القديمُ الذي فَهِمَه العَرَبُ على معهودِهم بمعنى التكليف بما لا يطاق، أو كأن الكافر يصعد في السماء لشدة ضيقه بدعوة الإسلام.

2. والوجهُ الجديدُ الذي كَشَفَ عنه العلمُ الحديثُ، وهو أن الأكسجين يتناقص في طبقات الجو العليا، فيؤدي إلى ضيق الصدر والحرج.

وبهذا يكونُ العربُ قد فهموها على معهودِهم، على ما يقتضيه فنُّ التشبيهِ من تقريبِ المعنى إلى السامعِ، وبما يجري على أصولِ البلاغةِ وحسنِ الإفهامِ ولا يُصادِمُها، ويكونُ لنا – بعد ذلك- أن نضيفَ إليها وجهاً جديداً كشفَ عنه العلمُ الحديثُ بما لا يخالفُ أصولَ البلاغةِ بعد أن أصبحَ نقصانُ الإكسجينِ عند الصعودِ في السماءِ معنىً معهوداً لنا في هذا العصرِ، وحقيقةً علميَّةً لا جدالَ فيها، وهذا وجه تحتمله اللغة، وتقبله العادة، أما احتمال اللغة فإن الصعود إلى السماء على ما كشف عنه العلم الحديث يؤدي إلى ضيق الصدر وحرجه، وإذا استقر هذا الكشف الجديد في أذهان الناس وعاداتهم كان التشبيه به مفيداً من حيث إن المعنى الجديد بات معهوداً فلا محذور؟

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015