مشروعية القوة وغايتها فى الإسلام

ـ[ياسر عبد المؤمن معوض]ــــــــ[04 Sep 2009, 03:13 ص]ـ

لماذا يستخدم الإسلام القوَّة؟

سؤال تفصم إجابته - وإن كانت صحيحة - الحقيقة نصفين، ويقسم الرد عليه - وإن كان صائبًا - الحق شطرين، فما بالك بإجابة توغل عن الحق بعدًا، وردٍّ ينحرف عن الصَّواب ميلاً؟! إنَّ الفساد لا يكمن في السؤال نفسه، ولكن في قيامه منفردًا دون شقيق له، تبرز إجابته كمال الحقيقة جميلاً، وبَهاء وجهها متألِّقًا، ورفعة منزلتها علوًّا، وسمو قدْرِها شأنًا، هذا الشقيق هو: لماذا يؤْذَى المؤمنون بالله في الأرض؟

إنَّ تجاهل هذا السؤال يبتر كثيرًا من الحقيقة، ويشوِّه جمالها الأخَّاذ، ويطفئ بريقَها المتألق، كسحب تحجب شمس الحقيقة أن تسطع، وغيومٍ تَحول دون دفئها أن ينتشر.

فالإجابة الأولى: تبيِّن الغايات من وراء استِعمال القوَّة.

والثَّانية: توضِّح أسباب نشأَتِها، ومشروعيَّة بروزِها، ولا تقوم الغايات وحدها - وإن كانت نبيلة - بتبديد الشُّبهات في هذا السَّبيل؛ بل لا بدَّ من معرفة عدالة النَّشأة، وشرعيَّة البروز لتنقَشِع نهائيًّا كلُّ الظُّلمات، وتغرب إلى الأبد جميع الشُّبهات.

إنَّ هناك قوى لا تطمئِنُّ إلى ربوبيَّة الله في الأرض، ولا تسكن إلى ألوهيَّة الله لجميع المخْلوقات، فتراهم يسومون المؤمنين سوء العذاب، ويقْتلون أطْفالَهم، ويرمِّلون نساءهم، ويُخْرجونَهم من ديارِهم، ويدنِّسون مقدسَّاتهم، ويحتلُّون أراضيهم، ويستعبدون أحرارَهم، وينهبون ثروات بلادهم؛ لأنَّهم يقولون: ربُّنا الله، ولا يذكرون إلا الله؛ يقول الله - تعالى - في كتابه الكريم: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 39، 40].

وأمرنا الله - عزَّ وجلَّ - بإِعْداد القوَّة لإرهاب أعداء الله وأعدائنا في قولِه - تعالى -: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60]؛ لأنَّ إحسان الظَّنِّ بمستقبل الحقِّ العاري عن القوَّة وهْمٌ خدَّاع، يؤدي إلى الفشل والتنازُع بين أصحابه، والضَّعف والهوان أمام الآخرين، ويصل الأمر بالبغاث حينئذٍ أن يستنسِر بأرضهم، وبالجبناء أن يستَأْسِدوا على أحرارهم، وتصبح أمَّتهم في ذيل بقيَّة الأمم، لا ترى لها في أرْضِها مجدًا، ولا تسمع لها في بلاد غيرِها رِكْزًا.

فعندما يرى أعْداء الإسلام نورَه يبدِّد ظُلُماتٍ، بعضُها فوق بعض متكاثفة، ويمزق ضياؤه أستارًا حوْل القلوب غليظة متلاحِمة، يهيْمِن على نفوسِهم أحاسيس الخطر، وينبعِث من قلوبِهم مكامن اللأْواء؛ لكن يا تُرى: أي خطرٍ يكون من النُّور تنتشر أشعَّته في الآفاق؟! وأي لأواء تكون من الضِّياء يخرق الأستار ويُنير القلوب؟! إنَّه خطر يهدِّد حياة الخفافيش، وإنَّها لأواء تضرُّ بعيونِها الكليلة، هذه الخفافيش طالَما أحبَّت الظَّلام وحملتْ أثقاله، ولفَّها الظُّلم وأخرجت أشْواكه، وامتلأتْ بالجور وأرسلت سهامه.

إنَّ هذه الخفافيش تؤْذيها أشعَّة النور، ويضايِقُها مجيءُ النَّهار، ويبدد أمْنَها شروق الشَّمس، ويؤرِّق جفونَها اختفاء الظلام، فكانت منها الكراهية الغليظة لسفينة الحبِّ والإخاء، والهجوم العنيف على مركبة العدْل والسَّلام.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015