أخي الدكتور أحمد البريدي: جزاك الله تعالى خيرا على تعليقك القيم، وأنت من المهتمين بل من المتخصصين في جهود العلامة ابن عثيمين رحمه الله، وأذكر أنني قد قرأت لك في هذا الملتقى المبارك تعليقا قريبا من هذا التعليق الذي أوردته هنا، وذكرت ما ذكرته هنا من قول ابن عثيمين "أن استثناء بعض الآيات في السور يحتاج إلى دليل صحيح صريح "، ثم خالفته بقاعدته نفسها في آية سورة يس وآية سورة الزمر؛ إذ جئت بالأدلة على ثبوت الاستثناء في هذين الموضعين، ولكن لدي بعض التعليقات في هذين الموضعين أرجو النظر فيها حتى نصل إلى نقطة اتفاق فيها، والتعليقات هي:

أولا: آية سورة يس

* روى ابن ماجة في سبب نزول قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كانت الأنصار بعيدة منازلهم من المسجد. فأرادوا أن يقتربوا فنزلت - ونكتب ما قدموا وآثارهم - قال فثبتوا)

ورواية ابن ماجة هذه ضعيفة؛ وفيها سماك بن حرب قال عنه أحمد: (مضطرب الحديث) وقال ابن حبان (كان يخطىء كثيرا) وقال يحيى بن معين (أسند أحاديث لم يسندها غيره) وقال عبد الرحمن ين يوسف بن خراش (في حديثه لين) وقال أحمد بن عبد الله العجلي الحافظ (كان في حديثه عن عكرمة ربما وصل الشيء عن ابن عباس وربما قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقال يعقوب بن شيبة: (روايته عن عكرمة- خاصة- مضطربة، وروايته عن غيره صالحة).وهذا الحديث المعني بالدراسة هنا رواه عن عكرمة

* والحديث روى مثله الترمذي بإسناد آخر (عن أبي سعيد الخدري)

وحديث الترمذي هذا إسناده ضعيف؛ لضعف أبي سفيان وهو طريف بن شهاب السعدي قال عنه عبد الله بن أحمد بن حنبل: (السعدى ليس بشئ لا يكتب عنه) وقال يحيى بن معين (ضعيف الحديث) وقال النسائي (متروك الحديث) وقال الدارقطني (ضعيف) وقال ابن حبان (كان مغفلا يهم في الأخبار حتى يقلبها؛ يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات) وقال الذهبي (تركوه) وقال ابن المثنى: (كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه بشيء) وقال أبو داود (واهي الحديث).

* وروى مثل ذلك الحديث الطبراني أيضا ورواية الطبراني هذه في المعجم الكبير عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم وهو ضعيف قال عنه ابن عدي (إنه يحدث عن الفريابي وغيره بالأباطيل فإما ان يكون مغفلا لا يدري ما يخرج من رأسه أو متعمدا فإني رأيت له غير حديث غير محفوظ)

- أما الروايات الصحيحة في القصة نحو رواية البخاري ومسلم وابن حبان والبيهقي وابن خزيمة وأحمد ومالك وأبي يعلى وأبي عوانة - فليس فيها ذكر للآية إطلاقا، والملاحظ أن قول النبي صلى الله عليه وسلم في كل هذه الروايات يشبه الآية في بيان كتابة الآثار، ففي البخاري قوله صلى الله عليه وسلم (ألا تحتسبون آثاركم) وفي مسلم وابن حبان والبيهقي وابن خزيمة ومسند أحمد وموطأ مالك وأبي يعلى وأبي عوانة والطبراني في المعجم الأوسط (يَا بَنِى سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ)

- لابن ماجة رواية أخرى صحيحة غير التي ذكرنا (عن حميد عن أنس بن مالك) وليس فيها ذكر الآية بل فيها قوله صلى الله عليه وسلم (يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم؟) فأقاموا).

- الآية عامة في كل الآثار سواء كانت في الخير أو الشر، وربطها بالمعنى الوارد في الحديث الضعيف مقيد للمعنى جدا، ومما يدل على عموم المعنى ما جاء فِي قوله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيءٌ. وَمَنْ سَنَّ سُنةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيءٌ.ثُمَّ تَلاَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآيَةَ: وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ "). (رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015