على بعض كأهل الجاهلية؛ ومن انتصر لنفسه دون السلطان فهو عاص مسرف قد عمل بحمية الجاهلية ولم يرض بحكم الله، وقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الآفاق: أن لا تقتلوا أحداً إلا بإذني
- هذه الآية بعموم لفظها يدخل فيها كل ظلم سواء كان في النفوس أو الأموال أو غيرها، وقد أورد البخاري الآية مع أحاديث في "باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه"، وحكى الطبري عن قوم أنهم قالوا: إنما نزلت هذه الآية فيمن أصيب بظلامة ألا ينال من ظالمه إذا تمكن إلا مثل ظلامته لا يتعداه إلى غيره وجاء في تفسير ابن أبي حاتم أن محمد بن سيرين فسر الآية بقوله: (إِن أخذ منك رجل شيئاً، فخذ منه مثله)، ولهذا ذهب بعض المفسرين إلى أن الآية عامة، وما ذِكر حمزة بأُحُد إلا على وجه المثال؛ وبهذا تكون الآية مكية كسائر السورة
- ذهب النحاس وابن عطية وفخر الدين الرازي وابن عاشور إلى أن هذه الآية متّصلة بما قبلها ومرتبطة به أشد الارتباط، وحسبك في ذلك وجود العاطف فيها، وهذا تدرّج في رتب المعاملة من معاملة الذين يُدعَون ويوعظون: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة) إلى معاملة الذين يجادلون: (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ثم إلى معاملة الذين يجازون على أفعالهم: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ)، وبذلك حصل حسن الترتيب في أسلوب الكلام
- يمكن أن يكون في هذه الآية إيماء وإشارة إلى أن الله سوف يُظهر المسلمين على المشركين ويجعلهم تحت رحمتهم، ولعلّ بعض الذين فتنهم المشركون سوف يبعثه الحنق على الإفراط في العقاب، ولذلك رغّبهم الله في الصبر على الأذى والمعنى: إن أظفركم الله – كما سيحدث مستقبلاً عند فتح مكة – فاعدلوا أو أحسنوا لأن الله - كما ذكر في هذه السورة – (يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) والعدل هو المعاقبة بالمثل والإحسان هو الصبر والعفو، وكل هذه كانت أموراً مستقبلية في الغيب عند نزول الآية، ولهذا كان قوله: (عُوقِبْتُم) إشارة إلى ما وقع في أحد، وقوله (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ ... ) إشارة إلى تخييرهم عند الفتح، وقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان بدلا عن العدل، وبهذا يمكن أن تتضمن الآية معنى ما حدث بأحد وما حدث يوم الفتح، وليس بالضرورة أن تكون مدنية أو نزلت مرتين أو ثلاث.
في سورة الإسراء:-
في سورة الإسراء المكية ذهب بعض العلماء إلى أن قوله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) مدني النزول استناداً على بعض الأدلة كما سيأتي؛ إلا أن هذا فيه نظر؛ وذلك للآتي:
- هذه الآية مكية، ومن الممكن أن يستدل النبي صلى الله عليه وسلم على اليهود بقوله تعالى: (الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) في المدينة بعد أن نزلت الآية في مكة وفي سورة مكية، ومن الممكن أيضاً أن يُسأل مرتين، والسؤال صادر عن اليهود في الحالين؛ فيجيب دون حاجة إلى أن تنزل الآية مرة أخرى، وقد جاء في سنن الترمذي والمستدرك للحاكم وصحيح ابن حبان ومسند أحمد: (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِيَهُودَ: أَعْطُونَا شَيْئًا نَسْأَلُ هَذَا الرَّجُلَ، فَقَالوا: سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ، قَالَ: فَسَأَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) وصحيح أن ابن عباس قد سمع ذلك الأمر سماعاً؛ فهو لم يشهد النبي صلى الله عليه وسلم في مكة؛ إذ هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وعمره ثلاث سنوات ولكن يمكن أن يسأل من شهدوا ذلك ويتأكد، ومراسيل الصحابة حجة، وهي في حكم الموصول المسند لأن روايتهم عن بعضهم، وكلهم عدول رضي الله تعالى عنهم.
¥