وليس المراد بهذا الحديث - زينوا القرآن بأصواتكم - صرف الهمة إلى أمور غير مشروعة تكون سببا في حجب الناس عن التفكر في معاني القرآن، لا صرف الهمة إلى ما حجب عنه أكثر الناس عن تدبر القرآن وتفهمه من الوسوسة في خروج الحروف، من مواضعها وظهورها وتميزها، فيفكر في طريقة إخراج الحرف ولا يفكر في معنى ما يقرأه، ويفكر في الترقيق والتفخيم، والإمالة ولا يفكر في المعاني، والترقيق ضد التفخيم، ويراد به إغلاق الفم قليلا بالحرف، بخلاف التفخيم فهو فتح الفم بالحرف وتحريك وسط الكلمة، وأما الإمالة فأن يجعل الفتحة قريبة من الكسرة، ويجعل الألف قريبا من الياء، فيقول مثلا في "موسى": "موسي".

قال: والنطق بالمد الطويل والقصير والمتوسط، يعني أن بعض الناس يصرف همته في هذه الأمور، ولا يفكر في معاني القرآن، وكذلك يشتغل بالوصل، هل هذا الموطن موطن وصل أو وقوف وفصل؟ ولا يشتغل في معاني القرآن، والأصل الذي نزل له القرآن التفكر في معانيه والعمل بها، وأما أن تلاحظ طريقة النطق بالقرآن ونغفل عن تدبر المعاني فهذا ليس بمستحسن، وإذا تعارض النظر في المعاني والتفكر فيها مع طريقة إخراج الحرف قدم التفكر في المعنى، وإن كان الجمع من الأمرين هو المستحسن، بأن نعطي مخارج الحروف حقها وأن نتفكر في معانيها.

قال المؤلف: والإضجاع يعني لا نصرف الهمة إلى الإضجاع بحيث نغفل عن التدبر والمعاني، والإضجاع قريب من الإمالة، قال: والإضجاع يعني ترديد الآية مرات عديدة بقراءات مختلفة أو بطرائق وهيئات متنوعة، ثم نغفل عن المعنى، كذلك لا نصرف الهمة إلى التطريب، تطريب الصوت، مما يفضي إلى تغيير كتاب الله، والتطريب مثل التمديد ونحوه، فإن التطريب قد يؤدي إلى تغيير كتاب الله، فتشبع الكسرة فتجعل حرفا جديدا بحرف الياء، ويفخم اللفظ يكون قريبا من الشدة، فيكون فيه إضافة شدة ليست في كتاب الله، وهذه الأمور تؤدي إلى التلاعب في كلام الله، وجعله ملعبة يتلاعب الناس فيها، وحينئذ إذا وجدت هذه الأمور واشتغل بها تكون سببا لعدم تفكر الناس في معاني القرآن، وحائلا للقلوب عن فهم معاني القرآن، ومن ثم لا نفهم مراد الله -سبحانه وتعالى- من كلامه، فحينئذ نعلم من هذا أن تحسين الصوت مطلوب، ولكن التكلف في ذلك مما يجعل المرء يشتغل عن فهم القرآن هذا أمر غير مشروع.

ولا زال الكلام من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية قال: ومن تأمل هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني عند قراءته للقرآن وإقراره أهل كل لسان على قراءتهم، فأقر قبائل العرب على قراءتهم للقرآن مع اختلافهم وتباين طريقة إخراجهم للحروف، إذا تأمل الإنسان ذلك تبين له أن التشدد والتنطع والوساوس في إخراج الحرف من مخرجه وطريقته ليس من هدي ولا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المؤلف: وقال -يعني شيخ الإسلام ابن تيمية-: يكره التلحين الذي يشبه الغناء، وقد ورد ذلك عن جماعة من السلف -أهل القرون المتقدمة- كراهة التلحين، والمراد بالتلحين هنا القراءة التي تتضمن مد حرف مقصور، أو العكس قصر حرف الممدود، أو التلحين الذي يتضمن تسكين حرف متحرك أو العكس، فإن بعض الناس يفعل ذلك ليوافق نغمات الأغاني المطربة، فإذا حصل مع هذا التلحين تغيير لنظم القرآن كان حراما، وحصل من هذا التلحين قلب الحركات على حروف أو قلب الحروف إلى حركات فإنه يكون حراما، ثم هنا نقارن بين القراءة، هل الأفضل أن تكون في المصحف، أو تكون من الصدر؟ قال المؤلف: واستحب بعضهم القراءة في المصحف، لأن النظر إلى المصحف عبادة، ولأنه حينئذ يتفكر في معاني ما يقرؤه، وجعل كثير من الناس هذا الحكم فيما إذا لم يكن هناك فائدة من القراءة حفظا، فإن القراءة حفظا إذا كانت لبقاء المحفوظ في الصدر، أو لكون المرء يحضر قلبه ويخشع بالقراءة من صدره، فإن هذا أفضل في حقه.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015