ويؤخذ من هذا مسألة إلحاق بعض النصارى أبنائهم بمدارس المسلمين، فإن بعض النصارى لما رأى ما عليها مدارس أهل الإسلام من سمت، وما تؤدي إليه من أخلاق فاضلة، ومحافظة على مكارم الأخلاق، أدخل أبناءه في مدارس المسلمين، فمثل هذه المدارس يدرس فيها القرآن، وهذا منسوب إلى النصرانية، فهل يمكن من قراءة القرآن ومن تعلمه؟ مبني على المسألة السابقة، والأظهر جوازه.

قال: والإكثار منها، يعني أنه يستحب الإكثار من قراءة القرآن، وقد ورد في الحديث: أن الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة

قال: وهو أفضل من سائر الذكر، يعني أن قراءة القرآن أفضل من باقي أنواع الذكر، فقراءة القرآن نوع من أنواع الذكر لكنها أفضل الذكر، لما في الترمذي: فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه وبعض أنواع القرآن أفضل من بعض، فسورة الفاتحة وآية الكرسي لهما فضيلة ومزية.

ثم ذكر المؤلف بعد ذلك المقارنة بين ترتيل القرآن وبين السرعة، أيهما أفضل؟ بالسرعة نقرأ حروفا، أكثر وبالترتيل نتمكن من فهم القرآن وتدبره، قال المؤلف: الترتيل أفضل من السرعة مع تبيين الحروف، أما إذا كان هناك سرعة بدون تبيين للحروف فهذه مخالفة للشريعة، فتدور بين الكراهة والتحريم، فالترتيل أفضل، وكذلك الترتيل أشد تأثيرا في القلب، لأنه يحصل به التفكر والتدبر للقرآن، لكن بعض الناس إذا رتل لم يتمكن من القراءة، لكونه قد حفظ القراءة بطريقة الحدر، وأنتم تعلمون أن قراءة القرآن على ثلاثة أنواع:

قراءة التحقيق: بإعطاء الحروف حقها من المخارج، وكذلك بتكميل مدود القرآن، وقراءة الحدر: المراد به الإسراع بالحروف مما لا يخفى معه حرف ولا يسقط معه حرف، وهنا كقراءة متوسطة، بين هاتين القراءتين، وقد ورد أن الله -عز وجل- قد أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بترتيل القرآن، فقال: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا وهكذا كان دأب النبي -صلى الله عليه وسلم- والسلف من بعده.

قال المؤلف: وينبغي -يعني يستحب ويسن- إعطاء الحروف حقها، وإعطاء الحروف يعني إخراج الحرف من مخرجه، وإعطاءه حقه من التفخيم والترقيق والاستعلاء ونحو ذلك، وترتيبها يعني ينبغي ترتيب الحروف حالة النطق بها، بجعل الحرف خارجا من المرتبة التي يستحق الخروج منها، ففرق بين حروف اللسان حروف الحلق.

قال: وتلطيف النطق بها يعني يستحب أن يكون النطق بهذه الحروف لطيفا رقيقا بغير إسراف، ولا تعسف ولا تكلف، فإنه إذا أسرف الإنسان في الحرف جعل الحرف الواحد قائما مقام حرفين، فيكرر الراء مرتين، ولا تعسف في إخراج الحرف، ولا تكلف في إخراج الحرف، فإن المرء إذا تكلف في إخراج الحرف ثقله وشدده، فيكون زائد لشدة ليست موجودة في القرآن، ويسن تحسين الصوت بالقرآن، لحديث: زينوا القرآن بأصواتكم، وما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الترنم بالقرآن "ما أذن" يعني ما استمع الله بشيء، وفي الحديث: ليس منا من لم يتغنى بالقرآن والترنم يعني أنه يستحب كذلك الترنم بقراءة القرآن، فلا يقرأ القرآن بمثل ما يتكلم به الناس في عادة كلامهم، وإنما يقرأ بترنم.

وكذلك يكون بخشوع، فتخشع جوارحه عن الحركة، ويخشع قلبه عن التفكر، فإن ذلك أدعى إلى معرفة معاني القرآن والتدبر فيه، وحضور قلب وتفكر وتفهم، وقد وردت النصوص بالأمر بالتدبر: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ، لهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ قراءة مترسلة، إذا مر بآية رحمة سأل، وإذا مر بآية عذاب تعوذ كما في حديث حذيفة، ولما قرأ ابن مسعود على النبي -صلى الله عليه وسلم- سورة النساء بكى -صلى الله عليه وسلم- وذرفت عيناه، فإن القراءة إذا كانت بتحسين بالصوت بترنم وخشوع وحضور قلب فإن تلفظ المرء بقراءة القرآن، وحينئذ تنفذ إلى الأسماع، وحينئذ تنفذ المعاني إلى القلوب، وتنفذ بمعنى تدخل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: في تفسير قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: زينوا القرآن بأصواتكم أن تزيين القرآن بالصوت هو تحسين الصوت والترنم بخشوع، وحضور قلب.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015