ما مناسبة ذكر التبذير بعد قوله تعالى: (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا) [الإسراء: 26] ولماذا جعل المبذرين إخوانا للشياطين؟

أولا: ليس قوله تعالى: (ولا تبذر تبذيراً) متعلقاً بقوله: (وآت ذا القربى حقه) الخ .. لأنّ التبذير لا يوصف به بذل المال في حقّه ولو كان أكثر من حاجة المعطَى (بالفتح).

وإنما ذكر هنا لأن في الانكفاف عن البذل غير المحمود الذي هو التبذير استبقاء للمال الذي يفي بالبذل المأمور به، فالانكفاف عن هذا تيسير لذاك وعون عليه، فهذا وإن كان غرضاً مهماً من التشريع المسوق في هذه الآيات قد وقع موقع الاستطراد في أثناء الوصايا المتعلقة بإيتاء المال ليظهر كونه وسيلة لإيتاء المال لمستحقيه، وكونه مقصوداً بالوصاية أيضاً لذاته.

ومعنى جعل المبذرين إخوانا للشياطين: أن التبذير يدعو إليه الشيطان لأنه إما إنفاق في الفساد وإما إسراف يستنزف المال في السفاسف واللذات فيعطل الإنفاق في الخير وكل ذلك يرضي الشيطان، فلا جرم أن كان المتصفون بالتبذير من جند الشيطان وإخوانه.

ما المقصود بالحجاب في قوله تعالى: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) [الإسراء: 45]؟

حقيقة الحجاب: الساتر الذي يحجب البصر عن رؤية ما وراءه.

وهو هنا مستعار للصرفة التي يصرف الله بها أعداء النبي عليه الصلاة والسلام عن الإضرار به للإعراض الذي يعرضون به عن استماع القرآن وفهمه. وجعل الله الحجاب المذكور إيجادَ ذلك الصارف في نفوسهم بحيث يهمون ولا يفعلون، وذلك من خور الإرادة والعزيمة بحيث يخطر الخاطر في نفوسهم ثم لا يصممون، وتخطر معاني القرآن في أسماعهم ثم لا يتفهمون. وذلك خلق يسري إلى النفوس تديجياً تغرسه في النفوس بادىءَ الأمر شهوةُ الإعراض وكراهية المسموع منه ثم لا يلبث أن يصير ملكة في النفس لا تقدر على خلعه ولا تغييره.

ما المراد بقوله تعالى: (وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة ... ) [الإسراء: 58]؟

أي أن كل قرية مثل قريتهم في الشرك لا يعدوها عذاب الاستئصال، فالمراد: القرى الكافرُ أهلُها لقوله تعالى: (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) وقوله: (وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون).

وحذف الصفة في مثل هذا معروف كقوله تعالى: (يأخذ كل سفينة غصباً) أي كل سفينة صالحة، بقرينة قوله: (فأردت أن أعيبها).

وليس المقصود شمول ذلك القرى المؤمنة، على معنى أن لا بد للقرى من زوال وفناء في سنة الله في هذا العالم، لأن ذلك معارض لآيات أخرى، ولأنه مناف لغرض تحذير المشركين من الاستمرار على الشرك.

فلو سلمنا أن هذا الحكم لا تنفلت منه قرية من القرى بحكم سنّة الله في مصير كل حادث إلى الفناء لما سلمنا أن في ذكر ذلك هنا فائدة.

ـ[محمد العبادي]ــــــــ[07 Sep 2009, 06:29 م]ـ

الجزء السادس عشر

ما وجه ذكر قوله تعالى: (وما نتنزل إلا بأمر ربك) بعد قوله: (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا)؟

موقع هذه الآية هنا غريب. فقال جمهور المفسرين: إن سبب نزولها أنّ جبريل عليه السلام أبطأ أياماً عن النزول إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - " وأنّ النبي ودّ أن تكون زيارة جبريل له أكثر مما هو يزوره فقال لجبريل: «ألا تزورنا أكثر ممّا تزورنا» " فنزلت: {ومَا نَتَنَزَّلُ إلا بِأمْرِ رَبِّكَ} إلى آخر الآية.

والمعنى: أن الله أمر جبريل عليه السلام أن يقول هذا الكلام جواباً عنه، فالنظم نظم القرآن بتقدير: وقل ما نتنزل إلاّ بأمر ربّك، أي قل يا جبريل، فكان هذا خطاباً لجبريل ليبلغه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – قرآناً، وأمرَ الله رسوله أن يقرأها هنا، ولأنّها نزلت لتكون من القرآن.

ولا شك أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك لجبريل عليه السلام عند انتهاء قصص الأنبياء في هذه السورة فأثبتت الآية في الموضع الذي بلغ إليه نزول القرآن.

وجوز أبو مسلم وصاحب «الكشاف»: أنّ هذه الآية من تمام حكاية كلام أهل الجنة بتقدير فعل يقولون حالاً من قوله: (من كان تقيا) أي وما نتنزل في هذه الجنة إلاّ بأمر ربّك الخ، وهو تأويل حسن.

وعليه فكاف الخطاب في قوله {بأمر ربك} خطاب كلّ قائل لمخاطبه، وهذا التجويز بناء على أنّ ما روي عن ابن عباس رأي له في تفسير الآية لا تتعيّن متابعته.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015