ولمّا أشعر الاختلاف بأنه اختلاف في الدّين، وأنّ معناه العدول عن الحق إلى الباطل، لأنّ الحق لا يقبل التعدّد والاختلاف، عُقّب عموم (ولا يزالون مختلفين) باستثناء من ثبتوا على الدين الحق ولم يخالفوه بقوله: (إلاّ من رحم ربك)، أي فعصمهم من الاختلاف.

فاللاّم في قوله: (ولذلك خلقهم) للتعليل لأنّه لمّا خلقهم على جِبِلّة قاضية باختلاف الآراء والنزعات وكان مريداً لمقتضى تلك الجبلّة وعالماً به كما بيّناه آنفاً كان الاختلاف علّة غائية لخلقهم.

ما أقوال العلماء في توجيه قوله تعالى: (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) [يوسف: 24]؟

جملة (ولقد همت به) مستأنفة استئنافاً ابتدائياً. أي أنها كانت جادة فيما راودته لا مختبرة. والمقصود من ذكر هَمّها به التمهيد إلى ذكر انتفاء همه بها لبيان الفرق بين حاليهما في الدين فإنه معصوم.

وجملة (وهَمّ بها لولا أن رأى برهان ربه) معطوفة على جملة (ولقد همت به) كلها. وليست معطوفة على جملة (همت) التي هي جواب القسم المدلول عليه باللام، لأنه لما أردفت جملة (وهمّ بها) بجملة شرط (لولا) المتمحض لكونه من أحوال يوسف عليه السّلام وحْده لا من أحوال امرأة العزيز تعين أنه لا علاقة بين الجملتين، فتعين أن الثانية مستقلة لاختصاص شرطها بحال المسند إليه فيها.

فالتقدير: ولولا أن رأى برهان ربه لَهَمّ بها، فقدم الجواب على شرطه للاهتمام به.

فيحسن الوقف على قوله: (ولقد همت به) ليظهر معنى الابتداء بجملة (وهَمّ بها) واضحاً. وبذلك يظهر أن يوسف عليه السّلام لم يخالطه همّ بامرأة العزيز لأن الله عصمه من الهمّ بالمعصية بما أراه من البرهان.

قال أبو حاتم: كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة فلما أتيت على قوله: (ولقد همّت به وهمّ بها) الآية قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير، أي تقديم الجواب وتأخير الشرط، كأنه قال: ولقد همّت به ولولا أن رأى برهان ربه لَهَمّ بها.

وطعن في هذا التأويل الطبري بأن جواب (لولا) لا يتقدم عليها. ويدفع هذا الطعن أن أبا عبيدة لما قال ذلك علمنا أنه لا يرى منع تقديم جواب (لولا).

وقال جماعة: هَمّ يوسف بأن يجيبها لما دعته إليه ثم ارعوى وانكفّ على ذلك لما رأى برهان ربه. قاله ابن عباس، وقتادة، وابن أبي مليكة، وثعْلب. وبيان هذا أنه انصرف عمّا همّ به بحفظ الله أو بعصمته، والهمّ بالسيئة مع الكف عن إيقاعها ليس بكبيرة فلا ينافي عصمة الأنبياء من الكبائر قبل النبوءة على قول من رأى عصمتهم منها قبل النبوءة، وهو قول الجمهور، وفيه خلاف، ولذلك جوز ابن عباس ذلك على يوسف. وقال جماعة: هَمّ يوسف وأخذ في التهيّؤ لذلك فرأى برهاناً صرفه عن ذلك فأقلع عن ذلك. وهذا قول السديّ، ورواية عن ابن عباس. وهو يرجع إلى ما بيناه في القول الذي قبله.

ـ[محمد العبادي]ــــــــ[04 Sep 2009, 03:14 م]ـ

الجزء الثالث عشر

قال تعالى: (ولما جهزهم بجهازهم قال اتوني بأخ لكم من أبيكم) [يوسف: 59] ما تعليل هذا الطلب؟ وكيف طلبه منهم دون أن ينكشف أمره لهم؟

قوله: (ائتوني بأخ لكم) يقتضي وقوع حديث منهم عن أن لهم أخا من أبيهم لم يحضر معهم وإلا لكان إنبَاء يوسف عليه السلام لهم بهذا يشعرهم أنه يكلمهم عارفاً بهم وهو لا يريد أن يكشف ذلك لهم. وفي التوراة أن يوسف عليه السلام احتال لذلك بأن أوهمهم أنه اتهمهم أن يكونوا جواسيس للعدو وأنهم تبرئوا من ذلك فعرفوه بمكانهم من قومهم وبأبيهم وعدد عائلتهم، فلما ذكروا ذلك له أظهر أنه يأخذ أحدهم رهينة عنده إلى أن يرجعوا ويأتوا بأخيهم الأصغر ليصدّقوا قولهم فيما أخبروه.

ما المقصود بقوله تعالى: (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) [يوسف:75]؟

(جزاؤه) الأول مبتدأ، و (مَن) يجوز أن تكون شرطية وهي مبتدأ ثان و جملة (وجد في رحله) جملة الشرط وجملة (فهو جزاؤه) جواب الشرط، والفاء رابطة للجواب، والجملة المركبة من الشرط وجوابه خبر عن المبتدأ الأول.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015