فالشاهدان الآخران لا يتم الانتقال لشهادتهما إلا بعد أن يتبين أن الشاهدين الأولين قد كتما أو بدلا في الوصية وحنثا في يمينهما، وهذا لا يكون إلا ببينة واضحة، لأن الأصل أن الوصية تكون مطابقة للواقع، فإذا جاء أحد أولياء الميت وأثبت للميت شيئا كان الشاهدان لم يذكراه فهذا دليل على أنهما قد خانا، فيتم الانتقال إلى أيمان الشاهدين الآخرين.

وهذان الآخران إنما يثبتان إخفاء بعض التركة، أما باقي التركة فقد أثبتها الشاهدان الأولان اللذان حضرا الوصية، فمن باب أولى أن يثبتها الآخران، فبهذا تكتمل الوصية ويصل لكل ذي حق حقه دون نقصان.

ـ[سمر الأرناؤوط]ــــــــ[03 Sep 2009, 12:34 ص]ـ

جزاك الله خيراً أخي الفاضل العبادي على هذا التوضيح بارك الله فيك. فعلاً هذه الآية هي اصعب آية في القرآن الكريم.

ـ[محمد العبادي]ــــــــ[03 Sep 2009, 06:33 م]ـ

الجزء الثاني عشر

ما معنى قوله تعالى: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ... ) الآية [هود: 17]؟

أغلقت معاني هذه الآية لكثرة الاحتمالات التي تعتورها.

وأوضح وجه وأقرب بالمعنى المقصود شبها: أن الفاء للتفريع على جملة: (أم يقولون افتراه ... ) إلى (فهل أنتم مسلمون) [هود: 13 - 14] وأن ما بينهما اعتراض. أي: إن كان حال أولئك المكذبين كما وصف؛ فثم قوم هم بعكس حالهم قد نفعتهم البينات والشواهد، فهم يؤمنون بالقرآن وهم المسلمون، وذلك مقتضى قوله: (فهل أنتم مسلمون) أي كما أسلم من كانوا على بينة من ربهم منكم ومن أهل الكتاب.

والهمزة للاستفهام التقريري، أي: إن كفر به هؤلاء أفيؤمن به من كان على بينة من ربه؟ كقوله تعالى: (أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار) أي أنت تنقذ من في النار الذي حق عليه كلمة العذاب.

و (من كان على بينة من ربه) لا يراد بها شخص معين، وإفراد ضمائر (كان على بينة من ربه) مراعاة للفظ (من)، والجمع في (أولئك يومنون) مراعاة لمعناها، والتقدير: أفمن كانوا على بينة من ربهم أولئك يؤمنون به.

والذين هم على بينة من ربهم يجوز أن يكونوا من النصارى فقط أو من النصارى واليهود ممن آمن.

والبينة هي حجة مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم المبشر به في التوراة والإنجيل.

و (يتلوه) أي: يتبعه، مضارع التلو وهو الاتباع وليس من التلاوة. والضمير عائد إلى (من كان على بينة من ربه).

والمراد بـ (شاهد منه) شاهد من ربه، أي شاهد من الله وهو القرآن. ويجوز أن يعود الضمير على القرآن، أي شاهد من القرآن ذاته دال على صدقه وإعجازه.

و (من قبله) حال من (كتاب موسى) أي: ويتلوه (يتبعه) كتاب موسى (التوراة) حالة كونه من قبل هذا الشاهد (القرآن) أي سابقا عليه في النزول.

و (إماما ورحمة) حالان كذلك، ثناء على التوراة.

والإشارة في (أولئك) إلى (من كان على بينة من ربه)، وجملة (أولئك يومنون به) خبر (من كان على بينة من ربه). وضمير (به) عائد إلى القرآن.

وحاصل معنى الآية وارتباطها بما قبلها: فهل أنتم مسلمون فإن الذين يؤمنون به هم الذين كانوا على بينة من ربهم، مؤيدة بشاهد من ربهم، ومعضودة بكتاب موسى عليه السلام من قبل بينتهم.

قال تعالى: (ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) [هود: 119] ما معنى الاستثناء هنا؟ وما نوع اللام في قوله: (ولذلك خلقهم)؟

الحكمة التي أقيم عليها نظامُ هذا العالم اقتضت أن يكون نظام عقول البشر قابلاً للتطوّح بهم في مسلك الضّلالة أو في مسلك الهدى على مبلغ استقامة التفكير والنظر، لأنّ ذلك أوفى بإقامة مراد الله تعالى من مساعي البشر في هذه الحياة الدنيا الزائلة المخلوطة، لينتقلوا منها إلى عالم الحياة الأبديّة الخالصة إن خيراً فخير وإن شراً فشر، فلو خلق الإنسان على إلهام متّحد لا تَعْدوه -كما خلق إدراك الحيوانات العُجم على نظام لا تتخطّاه- لما كان العمل الصالح مقتضياً ثواب النعيم ولا كان الفساد مقتضياً عقاب الجحيم، فلا جرم أنّ الله خلق البشر على نظام من شأنه طريان الاختلاف بينهم في الأمور، ومنها أمر الصلاح والفساد في الأرض وهو أهمّها وأعظمها ليتفاوت الناس في مدارج الارتقاء ويَسْموا إلى مراتب الزلفى فتتميز أفراد هذا النوع في كل أنحاء الحياة.

فدل ذلك على الاختلاف دائم بينهم لأنّه من مقتضى ما جُبِلت عليه العقول.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015