أَوّلاً: يَرَى الباحِثُ أَنَّ عِلْمَ الإِعْرَابِ كَانَ في الفَتْرَةِ الأولى مِن نَشْأَتِهِ ضِمْنَ عِلْمِ التَّفْسِيْرِ؛ وذلِكَ لأَنَّ كِلَيْهِما يَبْحَثَان عَن المَعْنى، ويَهْدِفَانِ إِلى الكَشْفِ عَنْ مَعْنىً تَتَبَيَّنُ مِنْ خِلالِهِ أَسْرَارُ الكِتَابِ العَزِيْزِ؛ ولأَنَّ هذين العِلْمَيْنِ وغَيْرَهُما مِن العُلُومِ كُلَّها نَشَأَتْ في فَتْرَةٍ وَاحِدَةٍ، وهَدَفَت إِلى تَعْرِيْفِ النّاسِ بِأُمُورِ دِيْنِهِم، والحِفَاظِ عَلَى كِتَابِ اللهِ ولُغَتِهِ مِن اللّحْنِ الّذي أَصَابَ لُغَةَ الأُمَّةِ في تَلْكَ الفَتْرَةِ، وكَانَ أَوْلُ هذه العُلُومِ وأَعْلاها عِلْمَ التَّفْسِيْرِ.

ثَانِيًا: يَرَى البَاحِثُ أَنَّ العَلاقَةَ بَيْنَ التَّفْسِيْرِ وتَوْجِيْهِ آياتِ القُرآنِ تَوْجِيْهًا نَحْوِيًا لا يُمْكِنُ فَصْلُها، فتَوْجِيْهُ هذه الآيَاتِ يُعَدُّ جُزْءًا مِن تَفْسِيْرِها، وكَانَ لا بُدَّ للمُعْرِبِ أَنْ يَسْتَعِيْنَ بِالمُفَسِّرِ للوُصُولِ إِلى إِعْرَابٍ صَحِيْحٍ، كَما أَنّهُ لا بُدَّ للمُفَسِّرِ أَنْ يَسْتَعِيْنَ بِإِعْرَابِ النَّحْوِيِّ لِيَصِلَ إِلى مَعْنىً صَحِيْحٍ، فالعَلاقَةُ بَيْنَهُما تَبَادُلِيّةٌ.

ثَالِثًا: يرَى البَاحِثُ أَنَّهُ مِن الصَّعْبِ فَصْلُ عِلْمِ النَّحْوِ عَنْ عِلْمِ التَّفْسِيْرِ في الكُتُبِ الّتي تَنَاوَلَت تَوْجِيْهَ آيَاتِ القُرآنِ الكَرِيْمِ تَوْجِيْهًا نَحْوِيًّا، فهي كُتُبٌ تَفْسِيْرِيَّةٌ، لكنَّها تَمَيَّزَت بِأَنَّها تَنَاوَلَت الآيَاتِ مِنْ جَانِبٍ لُغَوِيٍّ.

رَابِعًا: تَأثَّرَت تَوجِيْهاتُ النُّحَاةِ بِجَمِيْعِ أَشْكَالِ التَّفْسِيْرِ بِالمَأثُور، فقد وَرَدَ تَأثُّرُهُم بالقُرآنِ الكَرِيْمِ، والسّنّةِ النّبَوِيَّةِ، وبِأَقْوَالِ الصّحَابَة، ِ والتّابعِيْن، ولَمْ يَقْتَصِر تَأثُّرُهُم عَلَى شَكْلٍ وَاحِدٍ مِنْها.

خَامِسًا: مِن مَظَاهِرِ تَأثُّرِ النُّحَاةِ بأَهْلِ التَّفْسِيْرِ بِالمَأثُورِ أَنَّهم كَانُوا في كَثِيْرٍ مِن المَوْاضِعِ يِأخُذُونَ بِتأِويلِ أَهْلِ التَّفْسِيْرِ لَفْظِيًّا، فلَمْ يَكُنْ تقْدِيْرُهم وتأويلهم للآيات يَخْتَلِفُ عَن كَلامِ أَهْلِ التَّفْسِيْرِ بِالمَأثُورِ، وفي مَوَاضِعَ أُخْرَى كَانُوا يَتَأثّرُونَ بِمَعْنى كَلامِهِم.

سَادِسًا: وَجَدْتُ أَنَّ التَّوْجِيْهَاتِ النَّحْوِيَّةَ الّتي تَلَقَّفَها النُّحَاةُ، وقَبِلُوها كَانَتْ تَسْتَنِدُ إِلى آَرَاءِ المُفَسِّرِيْنَ، ورَأَيْتُ أَنَّ التَّوْجِيْهَاتِ النَّحْوِيَّةَ الّتي لم يُؤخذ بها، وآثَرُوا عَلَيْها غَيْرها لَمْ يَكُن يُقَابِلُها أَيُّ رَأْيٍ للمَفَسِّرِيْنَ.

سَابِعًا: رأَيْتُ أَنَّ بَعْضَ النُّحَاةِ كَانَ يُحَاوِلُ الخُرُوجَ عَنْ مَا يَذْكُرُه أَهْلُ التَّفْسِيْرِ وجُمْهُورُ النُّحاةِ مُتَمَسِّكًَا بِالقَاعِدَةِ النَّحْوِيَّةِ، فَإِذا جَاءَ بِرَأْيٍ جَدِيْدٍ قَامَ عَلَيْهِ النُّحَاةُ، ورَدُّوا رَأْيَهُ مُسْتَندينَ إِلى القَاعِدَةِ أو المَعْنى.

ثَامِنًا: تَبَيَّنَ للبَاحِثِ أَنَّ تَعَدُّدَ الآرَاءِ النَّحْوِيّة مُرْتَبِطٌ بِتَعَدُّدِ آرَاءِ أَهْلِ التَّفْسِيْرِ بِالمَأثُورِ مِن المُفَسِّرِيْنَ، فالاخْتِلافُ بَيْنَ النُّحَاةِ عِنْدَ التَّوْجِيْهِ يَعُودُ إِلى كَثْرَةِ الآرَاءِ عِنْدَ المُفَسِّرِيْنَ، وهذا من الأُمُور البَدَهِيَّةِ، فالنَّحْويُّ يَنْطَلِقُ في إِعْرَابِهِ مِن المَعْنى، وهو يَأخُذُ المُعْنى مِن المُفَسِّرِيْنَ، فَإذا اخْتَلَفُوا في التَّفْسِيْرِ اخْتَلَفُوا في الإِعْرَابِ.

المصدر: مجلة إسلامية المعرفة ( http://www.eiiit.org/resources/eiiit.asp)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015