وأما ما قاله في الآية: إنها للاستفهام التعجبي فقد انتقد عليه بأن قيل: تقديره: فبأي رحمة، دليل على أنه جعل [ما] مضافة للرحمة وأسماء الاستفهام التعجبي لا يضاف منها غير [أي] وإذا لم تصح الإضافة كان ما بعدها بدلا منها والمبدل من اسم الاستفهام يجب معه ذكر همزة الاستفهام وليست الهمزة مذكورة فدل على بطلان هذه الدعوى وسنبين في فصل زيادة الحروف الفائدة في ادخال [ما] ها هنا، فانظر هناك.
تنبيهات:.
الأول: أهل الصناعة يطلقون الزائد على وجوه: منها ما يتعلق به هنا وهو ما أقحم تأكيدا نحو: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً} {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. ومعنى كونه زائدا أن أصل المعنى حاصل بدونه دون التأكيد فبوجوده حصل فائدة التأكيد والواضع الحكيم لا يضع الشيء إلا لفائدة.
وسئل بعض العلماء عن التوكيد بالحرف وما معناه إذ إسقاط الحرف لا يخل بالمعنى؟ فقال: هذا يعرفه أهل الطباع إذ يجدون أنفسهم بوجود الحرف على معنى زائد لا يجدونه بإسقاط الحرف قال ومثال ذلك مثال العارف بوزن الشعر طبعا فإذا تغير البيت بزيادة أو نقص أنكره وقال: أجد نفسي على خلاف ما أجده بإقامة الوزن فكذلك هذه الحروف تتغير نفس المطبوع عند نقصانها ويجد نفسه بزيادتها على معنى بخلاف ما يجدها بنقضانه.
الثاني: حق الزيادة أن تكون في الحرف وفي الأفعال كما سبق وأما الأسماء فنص أكثر النحويين على أنها لا تزاد ووقع في كلام كثير من المفسرين الحكم عليها في بعض المواضع بالزيادة كقول الزمخشري في قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا}: إن اسم الجلالة مقحم ولا يتصور مخادعتهم لله تعالى.
الثالث: حقها أن تكون آخرا وحشوا وأما وقوعها أولا فلا لما فيه من التناقض إذ قضية الزيادة إمكان اطراحها وقضية التصدير الاهتمام ومن ثم ضعف قول بعضهم بزيادة لا في قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}. وأبعد منه قول آخر: إنها بمعنى [إلا] والظاهر أنها ردا لكلام تقدم في إنكار البعث أي ليس الأمر كما تقولون ثم قال بعده: {أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}،وعليه فيجوز الوقف على [لا] وفيه بعد. اهـ
ومما يذكر في هذا الباب أن الجرجاني نقل في أسرار البلاغة ص 419 عن الشيخ أبي علي الفارسي (أنه كان يقول في الكلمة إذا كانت تزول عن أصلها من وجه ولا تزول من آخر: [معتد بها من وجه، غير معتد بها من وجه] كما قال في اللام من قولهم لا أبا لزيد جعلها من حيث منعت أن يتعرف الأب بزيد معتداً بها ومن حيث عارضها لام الفعل من الأب التي لا تعود إلا في الإضافة نحو أبو زيد وأبا زيد غير معتد بها وفي حكم المقحمة الزائدة. وكذلك توصف لا في قولنا مررت برجل لا طويل ولا قصير بأنها مزيدة ولكن على هذا الحد فيقال هي مزيدة غير معتد بها من حيث الإعراب ومعتد بها من حيث أوجبت نفى الطول والقصر عن الرجل ولولاها لكانا ثابتين له).