عبد الرحيم بودلال

كلية الآداب والعلوم الإنسانية

جامعة محمد الأول وجدة

18/ 04/ 2007.

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[29 Jun 2009, 06:01 م]ـ

وصفي عاشور: باحث في العلوم الشرعية - كلية دار العلوم - جامعة القاهرة.

منذ أن صدع النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر الله وأعلن أنه رسول الحق - عز وجل - ومكلَّف بتبليغ الرسالة وأداء الأمانة إلى الناس؛ طفقت فئة من الناس تقف في وجه الحق وترفض رسالة الباري - عز وجل - خوفاً على مصالحها، وتشبُّثاً بمراكزها.

ولجأت هذه الفئة من الناس إلى معارضة الحق بالوسائل والحماقات كافة فقالوا: {اللَّهُمَّ إن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 23].

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 62].

وتقلَّب المناهضون للحق بين حماقات مختلفة، وافتراءات متنوعة تكشف عن اضطرابهم وقلة حيلتهم وفقدانهم لصوابهم؛ فقالوا عن القرآن الكريم: إنه شعر، أو سحر، أو كهانة، أو افتراء، أو أضغاث أحلام، أو غير ذلك. ولم يستقروا على قرارٍ كالمُتهم الذي ينتقل من كذبة إلى أخرى ليتخلص من الإدانة، ولكنه يزيد في فضيحة نفسه وكشف حقيقة حاله.

ولأن القرآن الكريم يتنزل من علو، ويفيض بجلال الربوبية؛ لم يخش أن يعرض شبهات المشركين الآنفة في مواضع متكررة ومتعددة، ولكنه فنَّدها بكلمات قليلة بليغة موجزة تستقر في بؤرة العقل، وتنغرس في صميم الوجدان.

وما أشبه الليلة بالبارحة، فإذا كان المشركون قالوا عن الوحي: إنه شعر؛ فقد قال ورثتهم المعاصرون: إنه شعور داخلي، وإذا كان أولئك قالوا: سحر؛ فقد قال هؤلاء: عبقرية، وإذا كان أولئك قالوا: كاهن؛ فقد قال هؤلاء: استبطان أو هذيان، وإذا كان أولئك قالوا: جنون؛ فقد قال هؤلاء: صرع أو هلوسة، وإذا كان أولئك قالوا: بل افتراه إنما يعلمه بشر سموه رحمان اليمامة؛ فقد قال هؤلاء: إنما يعلمه بحيرا أو أهل الكتاب وغير ذلك.

وهكذا فإن الشبهات التي طرحها أبو جهل، أو الوليد ابن المغيرة، أو اليهود القدماء؛ يطرحها أتباعهم المعاصرون ولكن بصياغات جديدة، وبأشكال عصرية، تحاول أن تتسلل إلى العقول، وتتسرب إلى الفكر، ولكن القرآن الكريم يظل - ولله الحمد - كالطود الشامخ لا يزيده الطعن والمناهضة إلا ثباتاً ورسوخاً.

وإذا كان الخطاب العَلْماني العربي قد اجترَّ مقولات المشركين فإنه لم ينسَ أيضاً أن يلجأ إلى الغرب ليستفيد من تجربته في الصراع مع النصرانية، وأراد أن يكرر المعركة مرة ثانية في ديار الإسلام لعله يربح المعركة كما ربحها الفكر الفلسفي الغربي مع النصرانية. ويطمع أو يطمح بعض العَلْمانيين العرب أن يكونوا في مستقبل التاريخ رجالاً مثل رجال النهضة الغربيين وأن تسجل أسماؤهم في سجل الخالدين كما سجلت أسماء (ديكارت، وسبينوزا، وهيجل، ونيتشه) وغيرهم؛ لأنهم يظنون أن الإسلام سينهار كما انهارت النصرانية، وسيصبح ديناً من أجل الذكرى فقط، ولكن هؤلاء نسوا أن الإسلام مرَّ بتجربة شبيهة بالتجربة التي مرت بها النصرانية من حيث الدراسات النقدية والطعنات الفكرية وذلك في عصر ابن الراوندي والرازي الطبيب وغير هؤلاء كثير، ذلك العصر الذي مثَّل نقطة تحول الكثير من الأمم إلى الإسلام، ولكن في حين خسرت النصرانية المعركة فإن الإسلام خرج ظافراً، وأيضاً فقد مرَّ الإسلام بتجربة أخرى في العصر الحديث حيث لم تُقصِّر الدراسات الاستشراقية في القرنين الماضيين في توجيه أقوى ما لديها من طعنات إلى الإسلام والقرآن؛ ولكن - بحمد الله عز وجل - يخرج الإسلام مرة أخرى ظافراً منتشياً رغم تخلف أهله وضعفهم، ويكاد يسيطر بتفسيره للكون والوجود على أصقاع المعمورة.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015