وهذا عكس ما قاله الباحث فإن التفاوت في تعيينه يكون بحسب المواهب اللغوية والعقلية والشرعية للناظر فقط لا من جهة الدليل نفسه. وكذلك فإن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من انه في كثير من الأحيان ما يذهب أهل الظاهر إلى ان مرادا ما من النص هو الظاهر ويكون الظاهر خلافه إنما هو راجع إلى ملكة الناظر العقلية والنقلية كما سبق وقلت وليس إلى ذات الدليل وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام نفسه [6] , ولا أظن أن معترضا سيعترض على هذا إلا إن طعن في نقل اللغة وغير ذلك مما قاله العلامة الرازي رحمه الله.

وهذا ما يوضحه قول الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى:" وهكذا نقول نحن اتباعا لربنا عز و جل بعد صحة مذاهبنا لا شكا فيها ولا خوفا منه أن يأتينا أحد بما يفسدها ولكن ثقة منا بأنه لا يأتي أحد بما يعارضها به أبدا لأننا ولله الحمد أهل التخليص والبحث وقطع العمر في طلب تصحيح الحجة واعتقاد الأدلة قبل اعتقاد مدلولاتها حتى وفقنا ولله تعالى الحمد على ما ثلج اليقين وتركنا أهل الجهل والتقليد في ريبهم يترددون وكذلك نقول فيما لم يصح عندنا حتى الآن فنقول مجدين مقرين إن وجدنا ما هو أهدى منه اتبعناه وتركنا ما نحن عليه وإنما هذا في مسائل تعارضت فيها الأحاديث والآي في ظاهر اللفظ ولم يقم لنا بيان الناسخ من المنسوخ فيها فقط أو في مسائل وردت فيها أحاديث لم تثبت عندنا ولعلها ثابتة في نقلها فإن بلغنا ثباتها صرنا إلى القول بها إلا أن هذا في أقوالنا قليل جدا والحمد لله رب العالمين" [7].

فواضح من كلام ابن حزم رحمه الله أنه لا يقطع إلا فيما لم يبلغه فيه خبر النسخ او راو مجروح لم يعرف بخير جرحه وهو في كل هذا يبقى على الصل المقطوع به وهو اليقين في حالته تلك فإن استجد مستجد صار إليه.

وقد يقول قائل إن هذا المخصص للظاهر قد اسقط الظاهر الذي تبادر ابتداء للناظر فنقول بل لم يسقطه البتة فما زال الظاهر ظاهرا ولكن طرأ ما أوجب مخالفة هذا الظاهر. فالظاهر الأول يقيني وبالمخصص انتقلنا إلى يقين آخر ابطل الأول.

----------------------

[1]- مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ج 13 ص 111 وما بعدها.

[2]- التجديد والمجددون في أصول الفقه ص 184 - 185

[3]- الإحكام ج1 ص

[4]- المنهاج في ترتيب الحاجاج لأبي الوليد الباجي ص 15 - 16 - 17

[5]- أصول الفقه الإسلامي لوهبة الزحيلي ج1/ 317

[6]- مجموع الفتاوى ج13/ 121

[7]- الإحكام ج 1 ص 23

ـ[محمد عمر الضرير]ــــــــ[17 Jun 2009, 02:06 م]ـ

جزاك الله خيرا شيخ عبدالرحمن، وموضوع الظاهر في غاية الأهمية، وما أظن الخلاف الكبير والنزاع الأليم لكثير من الفرق الإسلامية، إلا من باب الظاهر وماتعلق بتأويله، واختلاف المنهجية وتباينها في حالات كثيرة، ناهيك عن فاقدها أصلا، والمقترف للقول على الله مالم يقله، لفساد في عقيدته، أو محاربة للدين، والفرق الضالة أو من تدثر بدثارها تقية أو خفية، لا تخفى على ذي لب.

ولمَّا كان الظاهر بهذه الأهمية، بل والخطورة لكونه ومن خلاله يتوصل المغرضون إلى تحريف معاني كلام الله، والخروج بتأويلات فاسدة، يصل البعض من خفائها ودقتها أن تنطلي على البعض من العلماء، فمابالكم بطلبة العلم الضعفاء، ناهيك عن العامة البسطاء.

وعليه: فإن الضرورة ملحة، بل اعتقدها واجبة في حق علماء الأمة، خاصة مع التطور المعلوماتي وسهولة التواصل وسعته وسرعته، بالعكوف على انتاج قواعد ضابطة مؤصلة، وآليات موحدة فاعلة، تضبط التعامل مع مصطلح الظاهر -بعد الاتفاق على حده- مبينة التعامل معه (إعمالا، وإهمالا، وإكمالا)؛ تسهم بدورها في الحد من التأويلات المنحرفة، وتفضي بتفعيلها إلى التخفيف من الهوة الشاسعة بين المذاهب والفرق الإسلامية، الخارجة طبيعة عن دائرة الضلال، مما يخلق بيئة إسلامية بمساحتها الشاسعة كونيا موحدة قليلة الاختلاف والتنازع في بيان كلام خالقها.

ولعل من أبرز ما لاحظت قِلَّة إن لم أقل خلو المكتبة الإسلامية قديما وحديثا - في حدود اطلاعي البسيط-من مؤلفات تتناول هذا الموضوع استقلالا، وتشبعة دراسة، بأسلوب علمي، ومنهج موضوعي، يثمر الثمار المرجوة المفيدة لديننا العظيم.

وهي فرصة انتهزها من منطلق عالمية الموقع وما يكتنزه من نخبة علمية متميزة، بالسؤال عن ما وُجِدَ من كتابات مستقلة حول الظاهر، وإن ليست بالمواصفات السالفة. راجيا ممن لديه اطلاع أن يدلو بدلوه.

ثم إن ما طرحه الأخ الكريم عبدالرحمن جدير بالمباحثة والنقاش، فليت علماءنا يفيضوا علينا بما ينفعنا وجزى الله الجميع خيرا.

ـ[محمد عمر الضرير]ــــــــ[17 Jun 2009, 02:18 م]ـ

كما هي ملاحظة لمن يعنيه الأمر، بالتكرم بنقل الموضوع إلى الملتقى العلمي، لكونه الأكثر مناسبة له.

ـ[محمد عمر الضرير]ــــــــ[19 Jun 2009, 12:48 م]ـ

كما هي ملاحظة لمن يعنيه الأمر، بالتكرم بنقل الموضوع إلى الملتقى العلمي، لكونه الأكثر مناسبة له.

ولينال حظه من النقاش المثمر، كما اعتدنا من علمائنا وإخوتنا بالملتقى.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015