ـ[عبد الرحمن الظاهري]ــــــــ[16 Jun 2009, 12:01 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
اعترض بعض أهل العلم على أهل الظاهر وقالوا: إنه في كثير من الأحيان ما يستدل أهل الظاهر على مسألة بما يظنونه ظاهرا والظاهر خلافه وقال أيضا إن أدلة الأحكام لا بد وان يكون فيها شئ من عدم القطع فإن دلالة العموم في الظواهر قد تكون محتملة للنقيض وكذلك خبر الواحد والقياس [1].
وحاول بعض الباحثين أن يحل معقد الإشكال فقال: إن الظاهرية لما يقولون بأن الظواهر تفيد القطع فإنهم حينئذ ينظرون إلى يجدونه في أنفسهم من الإطمئنان لا إلى ذات الدليل.ومن خالفهم فقد نظر إلى ذات الدليل لا إلى ما يجده من نفسه [2].
ويحسن ان أورد حد الظاهر عند كل من ابن حزم وجمهور الأصوليين:
أما عن معنى الظاهر عند ابن حزم رحمه:" والنص هو اللفظ الوارد في القران أو السنة المستدل به على حكم الأشياء وهو الظاهر نفسه" [3].
وأما الظاهر عند المتكلمين فسفصله الإمام أبو الوليد الباجي تفصيلا بديعا فيقول:" واما الظاهر فهو ما سبق إلى فهم سامعه معناه من لفظه ولم يمنعه من العلم به من جهة اللفظ مانع.
وهو على ثلاثة أضرب: ظاهر بالوضع وظاهر بالعرف وظاهر بالدلالة.
فأما الظاهر بالوضع: فهو كل لفظ وضع في اللغة بمعنى واستعمل فيه على حسب ما وضع له كأوامر الشرع ونواهيه , مثل قوله "فاقتلوا المشركين .. " وقوله:" لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم" مما ظاهره الوجوب , فهذا النوع إذا ورد حمل على موضوعه في اللغة ولا يجوز العدول عنه إلا بدليل.
وأما الظاهر بالعرف: فعلى ضربين: ظاهر بعرف اللغة وظاهر بعرف الشرع.
فأما الظاهر بعرف الشرع فهي الألفاظ التي هي في أصل اللغة موضوعة بجنس من الأجناس , ثم وردت في الشرع لمعنى من ذلك الجنس بعينه و مثل قوله تعالى:) أقيموا الصلاة .. (, أصل الصلاة في اللغة الدعاء ثم ورد في الشرع عبارة عن دعاء مخصوص يقترن بركوع وسجود وكقوله:) كتب عليكم الصيام .. (هو في أصل اللغة عبارة عن كل إمساك ثم ورد في الشرع عبارة عن معنى مخصوص في وقت مخصوص ’ والحج عبارة عن القصد في أصل اللغة , ثم ورد في الشرع عبارة عن وقوف وطواف وقصد إلى موضع مخصوص , وما اشبه ذلك, فهذا إذا ورد حمل على عرفه في الشرع , ولا يجوز العدول به عما وضع له في عرف الشرع إلا بقرينة ودليل.
وأما الظاهر بعرف اللغة والإستعمال فهو كقوله تعالى:) أو جاء أحد منكم من الغائط .. (أصل الإتيان من الغائط في كلام العرب , المجئ من المطمئن من الأرض على اي وجه كان لقضاء حاجة أو غيرها, ثم جرى العرف باستعماله عند العرب لكل من جاء من ناحية قضاء الحاجة حتى شهر ذلك وعرف به واستعمل فيه مع الإطلاق , فيجب أن يحمل عليه إلا أن يدل دليل على ان المراد به غيره.
وأما الظاهر بالدلالة: فهو أن يكون اللفظ موضوعا لمعنى , إلا أن الدليل قد قام على انه أريد به غير ذلك المعنى مثل قوله تعالى:) والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء (فهذا لفظه لفظ الخبر , إلا ان الدليل قد قام على ان المراد به والأمر , لأنا لو جعلناه لوقع بخلاف بمخبره لأنا نرى من المطلقات من لا تتربص , وخبر الله لا يقع بخلاف مخبره , فثبت أنه أريد به الأمر " [4]
وبما أن الظاهر هو ما تبادر إلى الذهن ابتداءا فإن التفاوت يكون في تعيينه من جهة الشخص ومدى اطلاعه على الأدلة وحسن تحريره واستدلالاته .. لا من جهة اللفظ , فإن ظاهر اللفظ كما قال الباجي رحمه الله هو "ما سبق إلى فهم سامعه معناه من لفظه ولم يمنعه من العلم به من جهة اللفظ مانع" أو هو كل لفظ- كما تقول الحنفية- أو كلام ظهر المعنى المراد به للسامع بصيغته من غير توقف على قرينة خارجية أو تأمل" [5].
¥