قال الطبري:" ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّ تَوْجِيهه وَجْهه لِعِبَادَتِهِ بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَة لَهُ وَالِاسْتِقَامَة فِي ذَلِكَ لِرَبِّهِ عَلَى مَا يَجِب مِنْ التَّوْحِيد , لَا عَلَى الْوَجْه الَّذِي يُوَجِّه لَهُ وَجْهه مَنْ لَيْسَ بِحَنِيفٍ , وَلَكِنَّهُ بِهِ مُشْرِك."

وقال القرطبي:

أيْ قَصَدْت بِعِبَادَتِي وَتَوْحِيدِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْده. وَذَكَرَ الْوَجْه لِأَنَّهُ أَظْهَر مَا يَعْرِف بِهِ الْإِنْسَان صَاحِبه. " حَنِيفًا " مَائِلًا إِلَى الْحَقّ.

(وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ)

قال القرطبي:

دَلِيل عَلَى الْحِجَاج وَالْجِدَال؟ حَاجُّوهُ فِي تَوْحِيد اللَّه.

إلى أن قال تعالى:

(وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) 83

قال القرطبي:

تِلْكَ إِشَارَة إِلَى جَمِيع اِحْتِجَاجَاته حَتَّى خَاصَمَهُمْ وَغَلَبَهُمْ بِالْحُجَّةِ.

وأستغرب أخي منك إستغرابك أن يكون إبراهيم عليه السلام لايعرف ربه أوأنه لا يعرف التوحيد بطفولته، فإذا كان عوام البشر يعرفون ربهم بالفطرة فكيف بالمعصومين من الأنبياء والرسل؟

قال تعالى:

{وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ وَأَشْهَدهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} الأعراف:172

قال الطبري رحمه الله:

قَالَ: قَالَ اِبْن عَبَّاس: خَلَقَ اللَّه آدَم , ثُمَّ أَخْرَجَ ذُرِّيَّته مِنْ ظَهْره , فَكَلَّمَهُمْ اللَّه وَأَنْطَقَهُمْ , فَقَالَ: أَلَسْت بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى , ثُمَّ أَعَادَهُمْ فِي صُلْبه , فَلَيْسَ أَحَد مِنْ الْخَلْق إِلَّا قَدْ تَكَلَّمَ فَقَالَ رَبِّيَ اللَّه , وَإِنَّ الْقِيَامَة لَنْ تَقُوم حَتَّى يُولَد مَنْ كَانَ يَوْمئِذٍ أُشْهِدَ عَلَى نَفْسه.

ثم نقل عن أُبي بن كعب:

وَخَصَّ الْأَنْبِيَاء بِمِيثَاقٍ آخَر , قَالَ اللَّه: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقهمْ وَمِنْك وَمِنْ نُوح وَإِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} 33 7 وَهُوَ الَّذِي يَقُول تَعَالَى ذِكْره: {فَأَقِمْ وَجْهك لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ اللَّه} 30 30

قلت (شاكر) وإذا كان مشركو العرب ـ قبل بعثة نبينا ـ يعرفون الله تبارك وتعالى بالإسم:

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) العنكبوت:61

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) العنكبوت:63

فهل نستغرب بعد هذا على أبي الأنبياء وإمام الحنفاء الذي {جاء ربه بقلب سليم} [الصافات: 84] قال الزجاج:أي لم يشرك به قط؟

والذي آتاه الله الرشد؟

{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رُشْده مِنْ قَبْل} الأنبياء:51

نقل الطبري عن مجاهد: قَالَ: هَدَيْنَاهُ صَغِيرًا

{وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ}

يَقُول: وَكُنَّا عَالِمِينَ بِهِ أَنَّهُ ذُو يَقِين وَإِيمَان بِاَللَّهِ وَتَوْحِيد لَهُ , لَا يُشْرِك بِهِ شَيْئًا.

وقال القرطبي:

وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ

قَالَ الْفَرَّاء: أَيْ أَعْطَيَاهُ هُدَاهُ.

مِنْ قَبْلُ

أَيْ مِنْ قَبْل النُّبُوَّة ; أَيْ وَفَّقْنَاهُ لِلنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَال , لَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْل فَرَأَى النَّجْم وَالشَّمْس وَالْقَمَر. وَقِيلَ: " مِنْ قَبْل " أَيْ مِنْ قَبْل مُوسَى وَهَارُون. وَالرُّشْد عَلَى هَذَا النُّبُوَّة. وَعَلَى الْأَوَّل أَكْثَر أَهْل التَّفْسِير ; كَمَا قَالَ لِيَحْيَى: " وَآتَيْنَاهُ الْحُكْم صَبِيًّا " [مَرْيَم: 12]. وَقَالَ الْقَرَظِيّ: رُشْده صَلَاحه.

وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ

أَيْ إِنَّهُ أَهْل لِإِيتَاءِ الرُّشْد وَصَالِح لِلنُّبُوَّةِ.

.

ـ[مصطفى سعيد]ــــــــ[02 Jun 2009, 02:53 ص]ـ

السلام عليكم

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015