" وقال النحاس: ومن أحسن ما قيل في هذا ما صح عن ابن عباس أنه قال في قول الله عز وجل: " نور على نور " [النور: 35] قال: كذلك قلب المؤمن يعرف الله عز وجل ويستدل عليه بقلبه , فإذا عرفه ازداد نورا على نور ; وكذا إبراهيم عليه السلام عرف الله عز وجل بقلبه واستدل عليه بدلائله , فعلم أن له ربا وخالقا. فلما عرفه الله عز وجل بنفسه ازداد معرفة فقال: " أتحاجوني في الله وقد هدان "

قلت (شاكر) ويكفيك أخي الكريم قول العليم الحكيم (وما كان من المشركين) فهي نافية أن يكون إبراهيم قد وقع في الشرك لا في طفولته ولا بعدها. ومن زعم غير ذلك فعليه بالدليل.

2. قولك "مادليل المناظرة فى هذه الآيات؛ ومن حدد الطرق البليغة للمناظرة؛ واذكر لى مناظرة تؤيد قولك"

فالجواب: لو عدت لأقوال المفسرين لوجدت الكثير من هذا. وقد كنت ذكرت لك مثالا كيف تابعهم ابراهيم عليه السلام على أن الأصنام تفعل مع يقينه وإيمانه أنها لا تقدر على الفعل. ولا بأس بمثال آخر ذكره القرطبي رحمه الله عن الزجاج:

". قال: والجواب عندي أنه قال " هذا ربي " على قولكم ; لأنهم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر ; ونظير هذا قوله تعالى: " أين شركائي " [النحل: 27] وهو جل وعلا واحد لا شريك له. والمعنى: أين شركائي على قولكم." [/ U[.

3. قولك أخي الكريم (لقد حاجه قومه بعد هذا؛ بعد أن أعلن أنه برئ مما يشركون) خطأ.

فالمحاجة والمناظرة بدأت قبل هذا وهي ظاهرة في السياق.

لاحظ ـ بارك الله فيك ـ ترتيب السياق في هذه الآيات من سورة الأنعام:

(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)

وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80)

قال البغوي رحمه الله في التفسير:

" ثم قالوا: فيه أربعة أوجه من التأويل:

أحدها: أن إبراهيم عليه السلام أراد أن يستدرج القوم بهذا القول ويعرفهم خطأهم وجهلهم في تعظيم ما عظموه, وكانوا يعظمون النجوم ويعبدونها, ويرون أن الأمور كلها إليها فأراهم أنه معظم ما عظموه وملتمس الهدى من حيث ما التمسوه, فلما أفل أراهم النقص الداخل على النجوم ليثبت خطأ ما يدّعون, ومثل هذا مثل الحواري الذي ورد على قوم يعبدون الصنم, فأظهر تعظيمه فأكرموه حتى صدروا في كثير من الأمور عن رأيه إلى أن دهمهم عدو فشاوروه في أمره, فقال: الرأي أن ندعو هذا الصنم حتى يكشف عنا ما قد أظلنا, فاجتمعوا حوله يتضرعون فلما تبين لهم أنه لا ينفع ولا يدفع دعاهم إلى أن يدعوا الله فدعوه فصرف عنهم ما كانوا يحذرون, فأسلموا.

والوجه الثاني من التأويل: أنه قاله على وجه الاستفهام تقديره: أهذا ربي؟ كقوله تعالى: أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (الأنبياء: 34)؟ أي: أفهم الخالدون؟ وذكره على وجه التوبيخ منكرا لفعلهم, يعني: ومثل هذا يكون ربا, أي: ليس هذا ربي.

والوجه الثالث: أنه على وجه الاحتجاج عليهم, يقول: هذا ربي بزعمكم؟ فلما غاب قال: لو كان إلها لما غاب, كما قال: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (الدخان: 49) , أي: عند نفسك وبزعمك, وكما أخبر عن موسى أنه قال: وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ (طه:97) يريد إلهك بزعمك.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015