بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا) وقوله: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ) وقوله (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)، وهذا التلقيح المذكور في الآية والذي تقوم به الرياح بين السحب على ثلاثة أنواع هي: تلقيح السحب الحارة بالباردة الأمر الذي يزيد التكاثف؛ فينتج عند ذلك نزول المطر، أما النوع الثاني فهو: تلقيح السحب ذات الشحنة الموجبة بالسحب ذات الشحنة السالبة؛ فيحدث التفريغ الذي ينتج الشرر الكهربائي أو الرعد، ويتمدد الهواء من جراء هذا التفريغ فينتج صوت الرعد،؛ وفي هذه الحالة يكون المطر مصحوباً بالبرق والرعد، أما النوع الثالث فهو: تلقيح الرياح للسحاب بنويات مكونة من الأملاح والاكاسيد والأتربة، وهذه النويات ضرورية في التكاثف؛ إذ يتجمع عليها جزئيات بخار الماء؛ فتصير نقطاً نامية داخل السحب، وهذا النوع الأخير أخذت منه فكرة (المطر الصناعي)؛ إذ تقوم بعض الطائرات برش السحب المكونة أصلاً ببعض المواد التي تعمل كنويات يتكاثف حولها المطر فينزل.

دكتور جمال الدين

السياق لا يخصص عموم ما دل عليه اللفظ فقوله " الرياح لواقح " هي كذلك في السحاب والنبات، ثم أيضا إن العواصف الممطرة تحمل في مائها الكثير من اللقحات بل ما هو أكثر من ذلك.

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[12 May 2009, 11:41 م]ـ

2/ دقة الربط بين الحقائق العلمية والمعاني القرآنية:-

ومن أمثلة الربط المتكلّف بين معنى من معاني القرآن وبعض الحقائق العلمية ما فعله صاحب الجواهر الذي استدل بقوله تعالى: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) ثم انطلق في بيان ما لحاستي السمع والبصر من دقة في التركيب وتكامل في الوظائف؛ الأمر الذي يؤكد – عنده – أن هذه الآية معجزة في دلالاتها، والحق أن هذه الآية لم تتناول حاستي السمع والبصر؛ ولم تشر لهما ولا أشارت لذلك الآية التي قبلها ولا التي بعدها أيضاً، وإنما جاءت هذه العبارة بعد الحديث عن مراحل تطور الجنين، وتمام الآيات كالآتي: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) ولا علاقة لذلك بحاستي السمع والبصر إلا بصورة بعيدة لم تتطرق إليها الآية الكريمة أصلا، وعبارة (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) شديدة الارتباط بما ذكر من مراحل تطور الجنين، ويسمى ذلك في البلاغة بالتوشيح؛ وهو أن يكون أول الكلام نفسه يدل على آخره ويُعلم هذا الآخر قبل ذكره؛ فينزل المعنى عندئذ منزلة الوشاح ويسمى أيضا بالمطمع؛ لأن أوله مطمع في آخره؛ انظر إلى عبارات (الخلق) في الآية: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا ... ثُمَّ خَلَقْنَا ...... فَخَلَقْنَا ..... فَخَلَقْنَا ........ خَلْقًا ........ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)؛ ولهذا يروى أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لما سمع صدر الآية إلى قوله: (خَلْقًا آخَرَ) قال: (فتبارك الله أحسن الخالقين) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أنزلت.

وأغلب الظن أن الشيخ طنطاوي جوهري _ لما ربط بين هذه العبارة وبين السمع والبصر _ لم ينظر إلى هذه الآية ولا إلى سياقها ونظمها؛ وإنما انصرف ذهنه إلى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند سجوده في الصلاة: (اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت، أنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين)؛ إذ أن هذا الدعاء هو النص الوحيد الذي يربط بين تلك العبارة وبين السمع والبصر، ولو استدل جوهري بذلك لكان استدلاله مقبولاً.

اسمح لي أن أخالفك مرة أخرى يا دكتور جمال

فالربط هنا ليس متكلفاً فقوله تعالى"ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ" رابط قوي جداً فهو إشارة إلى تكوين الإنسان بصورته الكاملة، وأظهر مافيه من دقة الصنع وعجيبه هو السمع والبصر، وتأمل قول الله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) سورة الإنسان (2).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015