النظرة العلمانية التي استبعدت الوحي قد مرت بأطوار عديدة ثم استقرت على المرحلة الأخيرة التي حددت مفهوم العلم وفق ما تبلور في حلقة (قينا) في الثلاثينيات من القرن العشرين؛ فتم بذلك حصر الحقائق العلمية في الحقائق التجريبية والحقائق التحليلية، أما حقائق الوحي فهي ليست ذات معنى إطلاقاً، مفهوم العلم نفسه – عندهم - يقوم على افتراضات فلسفية لا تستند على أي إثبات أو برهان؛ وإنما هي قناعات لفلاسفة العلم المعاصرين

العلم ليس بحثاً عن الحقيقة في المنظور الغربي:-

يكتفي العلم بفلسفته الغربية بالوقوف على الوصف الخارجي للظاهرة؛ فما يهم العلم هو كيفية حدوثها لا كنهها، ولهذا فإن العلم حسب المفهوم الغربي يقوم بالتصنيف الصحيح والوصف الظاهري الدقيق، أما الانشغال بالتأكد من مدى مطابقة العلم للواقع والحقيقة من حيث هي لا من حيث النتائج فهو أمر لا يعني العلم إطلاقاً؛ أي: أنهم لا يريدون أن يعلموا إلا ظاهراً من الحسيات في هذه الحياة، ولهذا ذهب فلاسفة العلم إلى أن العلم لا يحرز حقائق يقينية قاطعة وإنما يكفيه رجحان الصدق، فعبارة (حقائق علمية) لا تعني أنها تمثل واقعاً موضوعياً يصف العالم وإنما هي في نظر كذلك فقط

وليس ذلك فحسب بل إن الحقائق المختبرية نفسها لا تعطي العلم بها بنفسها؛ وإنما يدركها الإنسان؛ ولهذا قد تتأثر بالإنسان وخياله وأوهامه ومدى بعده أو قربه من الدقة في الملاحظات والتوصيف والاستنتاج؛ فنتائج العلوم – حتى الحسية – إنما هي نتائج تقريبية وعرضة للأخطاء المحتملة في القياسات والمقاربات، وإذا كانت هذه العلوم تقوم على رصد الكمية في الوصف والتنبؤ فهي تقوم على الاحتمالات وتنتهي بها.

وهنالك بعض الحقائق العلمية قد دحضها العلم نفسه ولكن تم الاحتفاظ بها وتدريسها والعناية بها لأسباب أخرى لا تقوم على الحقيقة والواقع؛ ومن ذلك على سبيل المثال (قانون الجاذبية)

والحق أن كل النظريات لا يوجد لها برهان تجريبي؛ وإنما تؤخذ حسب بساطة التصور ومعقولية الافتراض وعمق الفكرة

العلم مجرد أداة في المنظور الغربي:-

يذهب أنصار المذهب البراغماتي إلى أن العلم مجرد أداة للاستنباط والتنبؤ؛ وليس خبراً أو وصفاً للواقع، ووظيفة العلم عندهم ليس وصف الواقع والأحداث أو مظاهر الطبيعة الغامضة؛ وإنما الاكتشاف ثم استخدام هذا الاكتشاف وتسخيره من أجل الرفاهية والسيطرة على الطبيعة.

فالتطابق بين الواقع والفكرة ليس صفة جوهرية للعلم؛ بل يقوم معيار الصدق فيه على الاتساق الداخلي والخلو من التناقض ثم الخصوبة؛ بمعني: أن تكون المقولة العلمية خصبة بحيث تتولد عنها النظريات داخل ذلك النسق ولأجل ذلك ارتضوا القياس؛ وهي الوسيلة التي يصل بها الإنسان إلى نتيجة ثم يعمم هذه النتيجة التي يصل إليها، والحق أن هذا القياس ـ وباعتراف فلاسفة العلم أنفسهم- إنما هو وسيلة تؤدي إلى نتيجة ظنية غير قاطعة.

العلم لا يحسم الأسئلة الكلية:-

إن غايات العلم وأهدافه لم تعد هي تلك الأهداف التقليدية؛ ولذلك ضرب هذا العلم عن الحقيقة صفحاً ومال إلى تحقيق المنفعة والرفاهية للإنسان؛ ولذلك ابتعد عن الإجابة على الأسئلة الكلية التي تقود إلى الإيمان؛ وإن كانت طبيعة العلم – أياً كان – أن ترمي بهذا الإنسان إلى تلك الأسئلة. فالمنهج العلمي المعاصر قد قطع الصلة بين الكون وخالقه، رغم أن هذا الكون طريق موصل وكتاب للحق مفتوح يُقرأ بكل اللغات والوسائل، ولا شك أن هذا الأصل يربط الحقائق المفردة ببعضها ليردها إلى الحقائق الكلية الكبرى

والحق أن هذا العلم بالمنظور الغربي رغم ما فيه قد أحرجت تطوراته الموقف الشكلي البسيط الذي يفصل بين الحقائق العلمية والمذاهب الفكرية وفضحت ضعفه أمام الأبواب المفتوحة نحو إشباع طموح الإنسان في الوقوف على أسرار الخليقة وطبيعة الأشياء

ذلك ما يتعلق بالعلوم الطبيعية أم العلوم الإنسانية فالأمر فيها أدهى وأمر؛ إذ إن ما يعتري العلوم الاجتماعية والإنسانية من المشكلات أكثر

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015