إن ما يظهر في الكتب العلمية من معلومات ليس على شاكلة واحدة؛ بل هو أمور تختلف اختلافاً بيناً فيما بينها؛ ومنها الآتي:-

1 - الحقائق التجريبية التي ثبتت ثبوتاً قاطعاً واستبانت أبعادها وعرفت أسرارها.

2 - الحقائق التجريبية التي لم تثبت ثبوتاً قاطعاً وإنما هي قيد البحث والنظر.

3 - النظريات العلمية التي هي بناء ذهني يفسر أموراً طبيعية وليست لها أدلة تجريبية تثبتها أو تنفيها.

4 - الفرضيات التي هي تخمينات ممكنة عقلاً، ويراد تصديقها تجريبياً أو تكذيبها.

وهذه أمور يعرفها المتخصصون ويفرّقون بينها، وهي إزاء الإعجاز العلمي ليست على شاكلة واحدة؛ بل إن بعض هذه الأنواع مرفوض في معالجة الإعجاز العلمي؛ أما المقبول منها فهو الحقائق الثابتة ثبوتاً قاطعاً ولا يتطرق إليها الشك ولا يزحزحها الارتياب.

ولما كانت الحقائق القرآنية حقائق قاطعة ونهائية _ فإنه لا يمكن مقابلتها بغير الحقائق الثابتة في العلوم الطبيعية، ولا يقبل في ذلك الحقائق غير الثابتة ولا الفرضيات والنظريات، فالنظريات والفرضيات العلمية معرضة للتغيير والتبديل؛ فإذا ربط بها تفسير الآيات القرآنية كان ذلك مما يثير البلبلة، ولهذا يقول العقاد: (نحن لا نحب أن نقحم الكتاب في تفسير المذاهب العلمية والنظريات الطبيعية، كلما ظهر منها مذهب قابل للمناقشة والتعديل أو ظهرت منها نظرية يقول بها أناس ويرفضها آخرون، ومهما يكن ثبوت النظريات المنسوبة إلى العلم - فهو ثبوت إلى حين لا يلبث أن يتطرّق إليه الشكّ؛ ويتحيّفه التعديل والتصحيح. وقريباً رأينا من فضلائنا من يفسّر السموات السبع بالسيارات السبع في المنظومة الشمسية، ثم تبيّن أن السيارات أكثر من عشر، وأن الصغار منها تعد بالمئات؛ ولا يحصرها الإحصاء)

ومن أمثلة حمل المعاني القرآنية على النظريات التي ثبت فشلها علمياً حمل قوله تعالى: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) على نظرية دارون في النشوء والارتقاء؛ تلك النظرية التي ليس لها من أساس وتخالف أخبار القرآن والتوراة والإنجيل في بدء خلق الإنسان، وهي نظرية إلحادية لا تقوم على برهان ولا تنهض الأدلة لتأييدها؛ وإنما تقوم على فلسفة افتراضية تحاول إثبات معطياتها بواسطة العلوم، وقد فشلت في ذلك فشلاً تاماً وأخفقت أيما إخفاق في ذلك، وهذه النظرية تفترض أن الحياة قد بدأت بكائن ذي خلية واحدة ثم تم تطوره على مراحل حتى جاءت الأسماك التي تكونت لها فيما بعد أقدام بدلاً عن الزعانف وخرجت للبر؛ لتكوّن البرمائيات ثم الزواحف ثم الطيور ثم الثدييات التي تطورت بدورها حتى وصلت مرحلة القرد الغوريلا أو الشمبانزي ثم تطورت هذه القرود إلى الإنسان.

وهذه النظرية رغم تهافتها الواضح – لها أهميتها الكبرى في الفكر الغربي _ ولذلك تعصّب لها أنصارها؛ رغم أن العلم ما زال يحطم معطياتها تحطيماً، وتتمثل أهمية هذه النظرية داخل الفكر الغربي في أنها تعضد الفلسفات الغربية العامة؛ وهي فلسفات مادية إلحادية؛ كما تفترض هذه النظرية وجود صراع قاس من أجل البقاء، وهذا الصراع تزول معه الأشكال الأخرى الضعيفة غير الصالحة للبقاء وتبقى الأشكال الأخرى التي نجحت الصدفة في إبداعها بطريقة أكثر إحكاماً، وقد اتخذ ذلك ذريعة في تبرير الاستعمار والتمييز العنصري بصورة علمية زائفة، وقد ذكر دارون أن نظريته تواجه مصاعب عديدة وفيها من الثغرات ما يتمنى أن يجد له العلم حلاً؛ إلا أن العلم خيّب ظنه؛ إذ وجّه علم الوراثة وعلم التقسيم ضربة عنيفة لنظريته.

والحق أن تلك الآية لا تشير إلى نظرية دارون من قريب ولا بعيد، ومعلوم أن القرآن والإنجيل والتوراة تثبت حلق الله الفجائي للإنسان (آدم) بكافة خصائصه التكوينية من الطين الجماد لا من كائن حي آخر، والنظرية تنفي ذلك؛ ولو صح توافق الآية مع النظرية لتناقض كلام الله تعالى، وهذا هو المستحيل بعينه. وخلق الله للإنسان _ بعد آدم _ أطواراً يعني: من نطفة ثم علقة ثم مضغة أي طوراً بعد طور إلى تمام الخلق؛ وهذا تفسير ابن عباس وعكرمة وقتادة ويحيى بن رافع والسدي ومجاهد والضحاك وابن زيد، وليس من علماء الأمة الكبار من فسرها بغير ذلك

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015