إن القرآن العظيم كتاب شامل لكافة حاجات الإنسان الدنيوية والأخروية، ولهذا لا بد أن يكون كتاباً جامعاً لكل شيء سواء على الجملة أو التفصيل؛ يقول عبد الله بن مسعود: (قد بُيِّن لنا في هذا القرآن كلّ علم وكلّ شيء) ويقول الإمام القرطبي: (إن دلالة القرآن على كل العلوم دلالة مبيّنة مشروحة أو مجملة) ويقول أيضاً: (صدق خبر الله بأنه ما فرّط في الكتاب من شيء إلا ذكره إما تفصيلاً وإما تأصيلاً) ويقول ابن كثير: (إن القرآن مشتمل على كل علم نافع من خبر ما سبق وعلم ما سيأتي وكل حلال وحرام؛ وما الناس إلا محتاجون إليه في أمر دنياهم ودينهم ومعاشهم ومعادهم) ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية (القرآن فيه ما لو جمع إليه علوم جميع العلماء لم يكن ما عندهم إلا بعض ما في القرآن، ومن تأمل ما تكلم به الأولون والآخرون - لم يجد عند الأولين والآخرين من أهل النبوات ومن أهل الرأي كالمتفلسفة وغيرهم إلا بعض ما جاء به القرآن، ولهذا لم تحتج الأمة مع رسولها وكتابها إلى نبي آخر وكتاب آخر)؛ ولأجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم ـ عن القرآن ـ: (لا يشبع منه العلماء ولا يملّه الأتقياء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه)

ولما كان الأمر كما سبق فإن القرآن العظيم قد اشتمل على كل علم، وليس معنى ذلك أنه اشتمل على تفاصيل العلوم ودقائقها بالصورة التي يؤخذ ذلك منه بصورة مباشرة في كل الأحوال، بل المقصود أنه تناول تفاصيل بعض العلوم وتناول الأطر العامة لبعض العلوم أيضاً، فهذا الاشتمال يكون على الإجمال أحياناً وعلى التفصيل أحياناً، إلا أن البعض قد فهم ذلك فهماً غريباً فحاول تحميل العبارات القرآنية كل معنى في العلم يلوح له؛ فتم بذلك تقويل القرآن ما لم يقله

وقد سبق أن القرآن مشتمل على كل علم، إلا أن ذلك لا يعني احتواؤه على كافة تفاصيل العلوم ودقائقها؛ إلا أن هذا الأمر قد اختلف فيه المعاصرون اختلافاً كبيراً؛ فكان ذلك على النحو التالي:-

ـ ذهب بعضهم إلى أن القرآن كتاب هداية بصورة عامة؛ وليس كتاب علم؛ ولا يحتوي على تفاصيل علم الكيمياء أو الطب أو الفلك، والحق أن هؤلاء قد قصروا العلم على العلوم الطبيعية دون سواها من ناحية ثم أنهم لما رأوا أن القرآن لم يشتمل على تفاصيل هذه العلوم _ رفضوا كونه كتاب علم، ولكن العلم _ بمفهومه الإسلامي الشامل _ يشمل هذه العلوم وغيرها؛ وبذلك تغدو مفاهيم الهداية والعلم متداخلة إلى حد كبير، وصحيح أن القرآن لم يشتمل على تفاصيل تلك العلوم؛ لكنه أشار لبعضها وحدد أطراً كلية لبعضها؛ فكونه كتاب هداية لا ينفي كونه كتاب علم؛ وإن لم يحدد التفاصيل.

ـ بالغ بعضهم لما رأى أن القرآن قد اشتمل على كل علم؛ فحاولوا البحث عن تفاصيل تلك العلوم فحمّلوا القرآن ما لا يحتمل وقوّلوه ما لم يقله.

وقد ذهب الشيخ طنطاوي جوهري إلى أن سبعمائة آية من كتاب الله قد اشتملت على عجائب الدنيا كلها؛ وأن آيات محدودة منه قد احتلت فرعاً كاملاً من علم الرياضيات، ولا يتردد الشيخ جوهري في الاستشهاد بعالم الأرواح واستحضارها في الولايات المتحدة وبمسائل في علوم الطب والكيمياء والجيولوجيا، ويذهب إلى أنها علوم مكنونة في النص القرآني تنتظر من يرفع الحجب عنها، ولا يقتصر الشيخ جوهري على ذلك بل يتناول عبارات ومفاهيم في غاية الغرابة نحو الأسرار الكيمائية في الحروف الهجائية ونحو ذلك. ويسعي الشيخ إلى بيان أنه ما من علم من العلوم المعاصرة إلا وقد وجد في القرآن؛ فذكر الميكروبات والكهرباء والذرة والصواريخ والطائرات وغيرها؛ فخالف قانون اللغة والسياق والنظم حتى حمّل القرآن ما لا يحتمله.

ولما كان الأمر كذلك فإنه يجب عدم التلفيق وتقويل القرآن ما لم يقله بحمل الألفاظ القرآنية على تفاصيل العلوم الكونية بصورة متكلّفة، وصحيح أن القرآن قد تناول العلوم الكونية إلا أنه يجب أن لا يُهتم بهذا الأمر في مضمار الإعجاز العلمي إلا بقدر ما اهتم القرآن به حتى يتبين بذلك مقصود الله تعالى من التعبير القرآني بالقدر المناسب الذي ليس فيه تكلف ولا تسرع.

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[12 May 2009, 09:56 م]ـ

3/ عدم التعويل على الفرضيات والنظريات العلمية:-

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015