ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[12 May 2009, 09:52 م]ـ

أ - المستوى القرآني:-

معلوم أن القرآن العظيم فائق لملكات البشر ومقدراتهم ومهاراتهم وعلومهم ومعارفهم وأفكارهم، ولو لم يكن الأمر كذلك لم يكن لادعاء الإعجاز بوجوهه كلها من معنى، ولهذا كان من شأن مراعاة المستوى القرآني أن تعصم من الزلل في معالجة الإعجاز العلمي، ومعلوم أن هنالك في القرآن أموراً غيبية لا يمكن للعلم الراهن بأدواته الحسية أن ينالها، إذ أن هذا العلم البشري قاصر عن إدراك مثل هذه العناصر، وليس ذلك فحسب بل هنالك أمور حسية أيضاً ذكرها القرآن وهي رغم حسيتها بعيدة المنال ويصعب على العلم الراهن إدراكها، ولأجل ذلك فإن العلم القرآني المعجز يبقي دائماً فوق العلم البشري مهما تطورت أدواته وتوسعت آفاقه، وتفصيل ذلك كالآتي:-

1/ تجنب القضايا التي لا يمكن أن ينالها العلم:-

تناول القرآن العظيم قضايا تتعلق بعالم الشهادة وأخرى تتعلق بعالم الغيب، فالقضايا التي تتعلق بعالم الشهادة والحس يمكن أن يتناولها العلم فتثبت بصورة يقينية في بعض الأحيان فيكون إثباتها إعجازاً علمياً وبياناً لصدق الحقائق القرآنية، أما القضايا التي تتعلق بعالم الغيب كالأمور المتعلقة بالله واليوم الآخر مما لا مدخل لعالم الحس فيه فلا يمكن محاولة إقحام الإعجاز العلمي فيها، وذلك نحو محاولة بعضهم حساب القيامة حساباً فلكياً ونحو تفسير مظاهر يوم القيامة بالمقاييس الفلكية ونحو تفسير العرش والكرسي ببعض الأجرام السماوية وغير ذلك.

ولا يعترف العلم المعاصر إلا بما تدركه الحواس أما أمور الغيب ونحوها مما تحفل به الأديان فهي بلا معنى في نظره، وقديماً ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى مناقشة الفلاسفة الطبيعيين في هذا الأمر؛ فذكر أن كلامهم في الأمور الحسية جيد في الغالب، أما الغيبيات والكليات والإلهيات فكلامهم فيها قاصر جداً وفيه تخليط كثير إذ أنهم لا يعرفون إلا الحسيات وبعض لوازمها وما لا يشهده الإنسان من الموجودات أعظم قدراً مما يشاهده؛ ولهذا كان هولاء: (إذا سمعوا إخبار الأنبياء بالملائكة والعرش والكرسي ـ وهم يظنون أن لا موجود إلا ما علموه ـ نفوه؛ وليس لهم بهذا النفي علم؛ فإن عدم العلم ليس علماً بالعدم، ولكن نفيهم هذا كنفي الطبيب للجن؛ لأنه ليس في صناعة الطب ما يدل على ثبوت الجن؛ وإلا فليس في علم الطب ما ينفي وجود الجن، وبنو آدم ضلالهم فيما نفوه وجحدوه بغير علم أكثر من ضلالهم فيما أثبتوه وصدقوا به قال تعالى: "بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ"؛ وهذا لأن الغالب على الآدميين صحة الحس والعقل؛ فإذا أثبتوا شيئاً وصدقوا به كان حقاً عندهم)

ورغم أن العلم المعاصر يتقاصر عن إدراك الحقائق الغيبية التي ذكرها القرآن إلا أن بعض القضايا الغيبية لها مداخل حسية تثبتها؛ ولذلك يمكن للإعجاز العلمي تناول هذه المداخل الحسية دون تناول القضايا الغيبية في ذاتها، ومعلوم أن وجود الله تعالى وهو أكبر حقيقة غيبية تثبتها _ ضرورة _ حقائق حسية كثيرة جداً، ويمكن للعلم تناول هذه الحقائق الحسية لإثبات وجود الله تعالى بلا خلاف.

ومن القضايا الغيبية التي لها مداخل حسية تثبتها فتناولها الإعجاز العلمي قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم أصوات الديكة فإنها رأت ملكا فاسألوا الله وارغبوا إليه، وإذا سمعتم نهاق الحمير فإنها رأت شيطانا فاستعيذوا بالله من شر ما رأت) وذكر بعض المشتغلين بالإعجاز العلمي أن هذا الحديث الصحيح تؤيده حقائق علمية؛ إذ ثبت الاختلاف الشديد بين رؤية الديك و رؤية الحمار؛ فالديك يرى (الأشعة البنفسجية) والحمار يرى (الأشعة تحت الحمراء). والملك مخلوق من نور (الأشعة البنفسجية) وتركيب عين الديك تمكنه من رؤية هذه الأشعة كما ثبت علمياً، أما الجان فمخلوق من نار (الأشعة تحت الحمراء) وتركيب عين الحمار تمكنه من رؤية هذه الأشعة.

2/ مراعاة السقوف المعرفية:-

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015